للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قَوْلُهُ: «لَنَا: لَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ» ، إِلَى آخِرِهِ، أَيْ: لَنَا عَلَى جَوَازِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ، أَيْ: لِكَوْنِهِ نَسَخَ السُّنَّةَ بِالْقُرْآنِ، وَلَا لِغَيْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ وُقُوعِهِ مُحَالٌ لِذَاتِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ. وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُ هَذِهِ الْمُلَازَمَةِ قَرِيبًا، وَإِذَا لَمْ يَمْتَنِعُ لِذَاتِهِ، وَلَا لِغَيْرِهِ، كَانَ جَائِزًا.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ قَدْ وَقَعَ، وَالْوُقُوعُ يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ، وَبَيَانُ وُقُوعِهِ بِصُوَرٍ:

إِحْدَاهُنَّ: التَّوَجُّهُ إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَنُسِخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [الْبَقَرَةِ: ١٤٤] .

الصُّورَةُ الثَّانِيَةُ: تَحْرِيمُ الْأَكْلِ وَالْمُبَاشَرَةِ بَعْدَ النَّوْمِ فِي لَيَالِي رَمَضَانَ، ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَنُسِخَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} إِلَى قَوْلِهِ: {الْفَجْرِ} [الْبَقَرَةِ: ١٨٧] .

الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ: تَأْخِيرُ صَلَاةِ الْخَوْفِ إِلَى حَالِ الْأَمْنِ، ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ، وَنُسِخَ بِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النِّسَاءِ: ١٠٢] ، وَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [الْبَقَرَةِ: ٢٣٩] .

وَذَكَرَ الْآمِدِيُّ صُورَةً أُخْرَى، وَهِيَ صُلْحُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لِأَهْلِ مَكَّةَ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ، عَلَى أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ مَنْ جَاءَهُ مِنْ عِنْدِهِمْ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الْمُمْتَحَنَةِ: ١٠] ; فَهَذِهِ أَحْكَامُ ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ، وَنُسِخَتْ بِالْكِتَابِ، وَذَلِكَ دَلِيلُ الْجَوَازِ.

قَوْلُهُ: «احْتَجَّ» ، يَعْنِي الشَّافِعِيَّ، «عَلَى مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بِوَجْهَيْنِ» :

أَحَدُهُمَا: لَوْ جَازَ نَسْخُ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ، لَكَانَ الْكِتَابُ مُبْطِلًا لِمُبَيِّنِهِ، لَكِنَّ ذَلِكَ بَاطِلٌ ; فَالْقَوْلُ بِنَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ بَاطِلٌ.

أَمَّا الْمُلَازَمَةُ ; فَلِأَنَّ السُّنَّةَ مُبَيِّنَةٌ لِلْكِتَابِ، لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} [النَّحْلِ: ٤٤] ، وَالنَّاسِخُ يُبْطِلُ الْمَنْسُوخَ ; فَالْكِتَابُ لَوْ نَسَخَ السُّنَّةَ، لَأَبْطَلَهَا، وَهِيَ مُبَيِّنَةٌ لَهُ ; فَيَكُونُ مُبْطِلًا لِمُبَيِّنِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>