للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وَأَمَّا أَنَّ إِبْطَالَ الْقُرْآنِ لِمُبَيِّنِهِ بَاطِلٌ ; فَلِأَنَّهُ إِذَا بَطَلَ مُبَيِّنُهُ، بَقِيَ بِغَيْرِ مُبَيِّنٍ ; فَيَرْجِعُ إِلَى الْإِجْمَالِ الْمُوجِبِ لِلتَّوَقُّفِ فِيهِ، وَتَعْطِيلُ أَلْفَاظِهِ عَنِ الِاسْتِعْمَالِ. وَأَيْضًا السُّنَّةُ مُبَيِّنَةٌ لِلْقُرْآنِ ; فَلَوْ بَيَّنَهَا الْقُرْآنُ بِنَسْخِهِ لَهَا، لَزِمَ الدَّوْرُ، إِذْ يَصِيرُ كُلٌّ مِنْهُمَا مُبَيِّنًا لِلْآخَرِ.

الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ النَّاسِخَ يُضَادُّ الْمَنْسُوخَ، وَالْقُرْآنُ لَا يُضَادُّ السُّنَّةَ، وَإِلَّا لَمَا كَانَتْ بَيَانًا لَهُ ; فَالْقُرْآنُ لَا يَكُونُ نَاسِخًا لِلسُّنَّةِ.

قَوْلُهُ: «وَمَنَعَ الْوُقُوعَ الْمَذْكُورَ» ، أَيِ: الشَّافِعِيُّ مَنَعَ وُقُوعَ نَسْخِ السُّنَّةِ بِالْكِتَابِ فِي الصُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، وَبَيَانُ الْمَنْعِ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا أَنَّ الْأَحْكَامَ الْمَذْكُورَةَ، يَجُوزُ أَنَّهَا ثَبَتَتْ بِقُرْآنٍ نُسِخَ رَسْمُهُ، وَبَقِيَ حُكْمُهُ، كَمَا سَبَقَ فِي آيَةِ الرَّجْمِ، ثُمَّ نُسِخَتْ تِلْكَ الْأَحْكَامُ بِالْقُرْآنِ ; فَمَا نَسَخَ الْقُرْآنَ إِلَّا قُرْآنٌ مِثْلُهُ.

الثَّانِي: بِتَقْدِيرِ أَنَّ تِلْكَ الْأَحْكَامَ ثَبَتَتْ بِالسُّنَّةِ، يَجُوزُ أَنَّهَا نُسِخَتْ بِسُنَّةٍ وَافَقَتِ الْقُرْآنَ فِي حُكْمِهِ ; فَمَا نُسِخَتِ السُّنَّةُ إِلَّا بِسُنَّةٍ مِثْلِهَا.

قَوْلُهُ: «وَأُجِيبَ بِأَنَّ بَعْضَ السُّنَّةِ مُبَيِّنٌ لَهُ، وَبَعْضَهَا مَنْسُوخٌ بِهِ» . هَذَا جَوَابٌ عَنِ الْوَجْهَيْنِ لِلشَّافِعِيِّ.

أَمَّا تَوْجِيهُهُ عَنِ الْأَوَّلِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: كَيْفَ يُبْطِلُ الْقُرْآنُ مَبِيِّنَهُ؟ فَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَيْسَ كُلُّ الْقُرْآنِ مُحْتَاجًا إِلَى بَيَانٍ، بَلْ فِيهِ كَثِيرٌ مِمَّا هُوَ بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ ; فَحِينَئِذٍ، مُبِيِّنُ السُّنَّةِ يُبَيِّنُ مُجْمَلَ الْقُرْآنِ، وَمُبِيِّنُ الْقُرْآنِ يَنْسَخُ بَعْضَ السُّنَّةِ ; فَلَا يَكُونُ الْقُرْآنُ مُبْطِلًا لِمُبَيِّنِهِ.

وَأَمَّا تَوْجِيهُهُ عَنِ الثَّانِي ; فَنَقُولُ: الْقُرْآنُ لَا يُضَادُّ السُّنَّةَ فِي الْكُلِّ، أَوْ فِي الْبَعْضِ، الْأَوَّلُ مَمْنُوعٌ، وَالثَّانِي مُسَلَّمٌ، وَحِينَئِذٍ ذَلِكَ الْبَعْضُ الْمُضَادُّ لِلْقُرْآنِ مِنَ السُّنَّةِ مَنْسُوخٌ بِهِ، وَحِينَئِذٍ لَا دَوْرَ وَلَا مَحْذُورَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>