للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بِمَا لَا يُرِيدُ، وَأَنْ يُرِيدَ مَا لَا يَأْمُرُ بِهِ.

أَمَّا الْأَمْرُ بِمَا لَا يُرَادُ ; فَكَأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ الْكُفَّارَ بِالْإِيمَانِ، مَعَ عَدَمِ إِرَادَتِهِ مِنْهُمْ، إِذْ لَوْ أَرَادَهُ مِنْهُمْ، لَكَانَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مَعْنَى كَوْنِ إِيمَانِهِمْ مُرَادًا لَهُ عَزَّ وَجَلَّ: هُوَ تَعَلُّقُ إِرَادَتِهِ بِهِ، وَمَعْنَى تَعَلُّقِ إِرَادَتِهِ بِهِ هُوَ تَخْصِيصُهَا بِحُدُوثِهِ مِنْهُمْ بِحَالٍ دُونَ حَالٍ، وَوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ، إِذْ شَأْنُ الْإِرَادَةِ التَّخْصِيصُ، وَشَأْنُ الْقُدْرَةِ التَّأْثِيرُ، فَلَمَّا لَمْ يُوجَدِ الْإِيمَانُ مِنْهُمْ، دَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُرَادًا لَهُ عَزَّ وَجَلَّ، مَعَ أَنَّهُ أَمَرَ بِهِ بِالْإِجْمَاعِ ; فَثَبَتَ أَنَّ الْأَمْرَ يَصِحُّ وُجُودُهُ بِدُونِ الْإِرَادَةِ، وَكَذَلِكَ: لَوْ عُوتِبَ شَخْصٌ عَلَى مُعَاقَبَةِ عَبْدِهِ ; فَادَّعَى مُخَالَفَتَهُ لَهُ، وَأَرَادَ إِقَامَةَ عُذْرِهِ عِنْدَ مُعَاتِبِهِ ; فَقَالَ لِعَبْدِهِ: اذْهَبْ ; فَافْعَلْ كَذَا ; فَهَذَا أَمْرٌ لَهُ بِالْفِعْلِ، مَعَ أَنَّ السَّيِّدَ لَا يُرِيدُ مِنْهُ الِامْتِثَالَ قَطْعًا، لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى تَكْذِيبِهِ عِنْدَ مُعَاتِبِهِ، وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ إِقَامَةُ عُذْرِهِ عِنْدَهُ.

وَكَذَلِكَ نُوحٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لَمَّا قِيلَ لَهُ: {أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ} [هُودٍ: ٣٦] ، وَسَائِرُ الْأَنْبِيَاءِ، لَمَّا أُخْبِرُوا أَنَّ كُفَّارَ قَوْمِهِمْ لَا يُؤْمِنُونَ، كَانُوا بَعْدَ ذَلِكَ يَدْعُونَهُمْ إِلَى الْإِيمَانِ، إِقَامَةً لِرَسْمِ الدَّعْوَةِ، وَلَا يُرِيدُونَهُ مِنْهُمْ لِوَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِفْضَاءُ إِيمَانِهِمْ إِلَى تَكْذِيبِ خَبَرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>