. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عَلَى مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، بِخِلَافِ لُغَتِنَا هَذِهِ، فَإِنَّ الْأَمْرَ لَا يَقْتَضِي الْوُجُوبَ.
وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ دَعْوَى غَيْرُ مَسْمُوعَةٍ ; لِأَنَّهَا مُجَرَّدَةٌ عَنْ حُجَّةٍ:
أَمَّا الْأَوَّلُ: وَهُوَ اقْتِرَانُ الْأَمْرِ بِمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ ; فَلِأَنَّ الظَّاهِرَ خِلَافُهُ، إِذِ الْأَصْلُ عَدَمُ الْقَرِينَةِ، وَمُجَرَّدُ احْتِمَالِهَا لَا يَكْفِي، وَلَا يُتْرَكُ لَهُ ظَاهِرُ الْخِطَابِ.
وَأَمَّا اقْتِضَاءُ الْأَمْرِ فِي تِلْكَ اللُّغَةِ الْوُجُوبَ، دُونَ هَذِهِ ; فَخِلَافُ الظَّاهِرِ أَيْضًا ; لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، حَكَى لَنَا الْحِكَايَةَ بِلُغَةٍ، وَالْأَصْلُ مُطَابَقَةُ الْحِكَايَةِ لِلْمَحْكِيِّ، وَمُوَافَقَتُهُ، وَهُوَ يَقْتَضِي أَنَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ بِالسُّجُودِ، بِاللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الَّتِي وَرَدَ بِهَا الْقُرْآنُ، وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ: إِنَّهُ أَمَرَهُمْ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ، ثُمَّ حَكَى الْقِصَّةَ بِالْعَرَبِيَّةِ، لَكِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ صَادِقٌ فِي إِخْبَارِهِ، وَالصِّدْقُ يَقْتَضِي مُطَابَقَةَ الْمُخْبَرِ بِهِ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ، وَأَقَلُّ ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مُطَابَقَةً مَعْنَوِيَّةً، وَهُوَ إِيرَادُ الْمَعْنَى مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نَقْصٍ، وَاللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَيْسَ يَعْزُبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ ; فَوَجَبَ حَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى ذَلِكَ، وَبِالْجُمْلَةِ: فَهَذِهِ الدَّعْوَى إِذَا قُوبِلَتْ بِظَاهِرِ الْحَالِ، كَانَتْ هَبَاءً مَنْثُورًا.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّ الْعَبْدَ إِذَا خَالَفَ مُجَرَّدَ أَمْرِ سَيِّدِهِ ; فَعَاقَبَهُ، لَمْ يُلَمْ عَلَى عِقَابِهِ، بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، وَلَوْلَا إِفَادَةُ الْأَمْرِ الْمُجَرَّدِ الْوُجُوبَ، لَاتَّجَهَ لَوْمُ السَّيِّدِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ، لَكِنَّهُ لَا يَتَّجِهُ ; فَدَلَّ عَلَى إِفَادَةِ أَنَّ الْأَمْرَ لِمُجَرَّدِ الْوُجُوبِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.
وَإِذْ قَدْ تَبَيَّنَ بِالِاسْتِعْمَالِ، وَمُبَادَرَةِ الذِّهْنِ، أَنَّ الْأَمْرَ الْمُجَرَّدَ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ، ثَبَتَ أَنَّهُ حَقِيقَةٌ فِيهِ ; فَيَضْعُفُ قَوْلُ مَنْ جَعَلَهُ لِلنَّدْبِ، أَوِ الْإِبَاحَةِ ; حَمْلًا لَهُ عَلَى الْقَدْرِ الْمُشْتَرَكِ، دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْمَجَازِ، وَقَوْلُ مَنْ تَوَقَّفَ لِظُهُورِ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute