. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الْكَفَّ أَبَدًا عَلَى تَكَرُّرِ الْأَزْمِنَةِ، وَقَدْ سَبَقَ تَقْرِيرُهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَمْرِ فِي ذَلِكَ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ لَا يَقْتَضِي التَّكْرَارَ، وَيَلْزَمُ هَذَا الْقَائِلَ عَلَى مَذْهَبِهِ أَنْ لَا يُوجَدَ عَاصٍ أَصْلًا ; لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْ فِعْلٍ يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ بِتَرْكِهِ مَرَّةً فِي زَمَنٍ مَا، كَمَا يَخْرُجُ عَنْ عُهْدَةِ الْأَمْرِ بِفِعْلِ الْمَأْمُورِ مَرَّةً فِي زَمَنٍ مَا عِنْدَ مَنْ لَا يُوجِبُ التَّكْرَارَ فِيهِ، وَتَرْكُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ مَرَّةً فِي زَمَنٍ مَا لَا يَنْفَكُّ عَنْهُ أَحَدٌ فِي الْعَادَةِ ; إِمَّا اضْطِرَارًا فِي حَالِ النَّوْمِ وَالْمَرَضِ وَالتَّشَاغُلِ بِالْمُبَاحَاتِ وَالْوَاجِبَاتِ، أَوِ اخْتِيَارًا، إِذْ يَسْتَحِيلُ فِي الْعَادَةِ أَنَّ أَحَدًا يُلَازِمُ فِعْلَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِحَيْثُ لَا يَفْتُرُ مِنْهُ زَمَنًا مِنَ الْأَزْمَانِ حَتَّى يَمُوتَ، وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الزِّنَى مَرَّةً وَاحِدَةً بِنَوْمٍ، أَوْ صَلَاةٍ، أَوْ أَكْلٍ، أَوْ مَلَلٍ، أَوْ عَجْزٍ، أَوِ اسْتِحْيَاءٍ، أَوِ اخْتِيَارًا مَحْضًا، وَفَعَلَهُ فِي بَقِيَّةِ أَزْمَانِهِ أَنْ يَكُونَ مُطِيعًا خَارِجًا عَنْ عُهْدَةِ النَّهْيِ، وَهَذَا بَاطِلٌ بِإِجْمَاعٍ.
قُلْتُ: وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا بِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقَالَ: هَذَا هُوَ مُقْتَضَى النَّهْيِ وَلَازِمُهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ، لَكِنِ انْتَفَى ذَلِكَ وَثَبَتَ تَكْرَارُ تَرْكِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ بِالْأَدِلَّةِ الْمُنْفَصِلَةِ كَالْإِجْمَاعِ وَغَيْرِهِ، وَنَحْنُ كَلَامُنَا فِيمَا يَقْتَضِيهِ النَّهْيُ لُغَةً، لَا فِيمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ شَرْعًا.
قُلْتُ: وَهَذَا جَوَابٌ سَدِيدٌ صَحِيحٌ.
الْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ يَتَخَرَّجُ عَلَى قَاعِدَةٍ ; وَهُوَ أَنَّ الِاقْتِضَاءَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ عَامًّا فِي عَامٍّ نَحْوَ: أَكْرِمِ النَّاسَ فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ، أَوْ مُطْلَقًا فِي مُطْلَقٍ، نَحْوَ: أَكْرِمْ رَجُلًا فِي يَوْمٍ مَا، أَوْ عَامًّا فِي مُطْلَقٍ، نَحْوَ: أَكْرِمِ النَّاسَ كُلَّهُمْ فِي يَوْمٍ مَا، أَوْ مُطْلَقًا فِي عَامٍّ، نَحْوَ: أَكْرِمْ رَجُلًا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute