للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التقسيم معناه أن الدعاء يراد به تارة دعاء المسألة، وتارة دعاء العبادة، وليس معنى هذا أنهما متضادان بحيث أنه لا يدل إلا على النوع الذي أريد به، بل معناه أنه في تلك الحالة دلالته على أحد النوعين أظهر، ويدل على النوع الآخر إما بدلالة الالتزام (١) أو بدلالة التضمن، وعلى النوع الذي يكون فيه أظهر بدلالة المطابقة.

فإذا أريد به المسألة والطلب يدل على العبادة بطريق التضمن (٢) لأن الداعي دعاء المسألة عابد لله تعالى بسؤاله، ورغبته، والتضرع إليه، والابتهال إليه، والانطراح بين يديه، وهو يرجو قبول دعوته، وقضاء حاجته، وهو مع ذلك خائف من طرده، وعدم قبول دعوته، فهذا هو لب العبادة ومخها وروحها وحقيقتها. فالآيات التي ورد فيها الدعاء مرادًا به دعاء المسألة - تدل هذه الآيات بطريق التضمن على دعاء العبادة -.

وأما إذا أريد بالدعاء دعاء العبادة، فإنه يدل على دعاء المسألة بطريق دلالة الالتزام (٣) وذلك لأن العابد لله تعالى كالذي يذكر الله مثلًا فهو في الحقيقة سائل وإن كان لا يأتي بلفظ السؤال كالذي يطوف على بعض الأبواب والأسواق ليدعو الناس يكون سائلًا وإن حذف لفظ السؤال (٤).

فالعابد لله سبحانه سائل لله تعالى، يسأله الفوز بالجنة، والنجاة من النار، فإنه يعبد الله خوفًا من عقابه، وطمعًا في رحمته، ولا يخلو العابد في قرارة نفسه من الخوف والرجاء، لا كما يزعمه بعض المتصوفة "إنه


(١) دلالة اللفظ على تمام ما وضع له تسمى مطابقة، وعلى جزئه تضمنًا، وعلى الخارج التزامًا، قال صاحب السلم: دلالة اللفظ على ما وافقه .. يدعونها دلالة المطابقة، وجزئه تضمنًا وما لزم .. فهو التزام إن يعقل التزم. اهـ. إرشاد الفحول ص: ١٧، وسلم المنورق ضمن مجموع المتون: ٢٧٣، ومنهاج السنة: ٥/ ٤٥٢ - ٤٥٤.
(٢) مجموع الفتاوى: ١٥/ ١٠، ١٠/ ٢٤٣، وجلاء الأفهام ص: ٨١.
(٣) الفتاوى: ١٥/ ١١، بدائع الفوائد: ٣/ ٣، ونحوه في اقتضاء الصراط: ٤١١.
(٤) المنهاج في شعب الإيمان للحليمي: ١/ ٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>