للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واقتحموا الشرك فإذا جاء العامي عند مشهد من تلك المشاهد رأى ما يبهره من القباب المزخرفة والأضرحة المزينة ورأى الستائر المسدولة والأبخرة المتصاعدة، والأزهار المتناثرة، ورأى الناس يطوفون حول القبر، ويصرخون بندائه واستغاثته، ورأى هذا يبكي، وآخر يناجي ويتضرع، وآخر يتمرغ بتراب القبر، وآخر يقبض النذور ويُبَارِك، وآخر يحكي كرامات الشيخ وخوارقه وآخر يقول: كنت في شدة فدعوت الشيخ فاستجاب لي إذا رأى العامي هذه الأمور - ولم يجد من ينكر ذلك - ظنَّ أن هذا من دين الإسلام، وقلد هؤلاء وعمل مثل عملهم وتأثر بما رأى وسمع "ويضيق صدره عن تصور ما لهذا الولي من المنزلة، ويدخله من الروع والمهابة ما يغرس في قلبه من العقائد الوهمية. . . ما يزلزله عن الإسلام قليلًا قليلًا حتى يطلب من صاحب هذا القبر ما لا يقدر عليه إلا الله تعالى" (١).

هذا ومن جملة الوسائل التي نهى عنها الشارع الغلو في الصالحين، ومع كونه من جملة الذرائع والوسائل نُفْرِدُه بعنوان مستقل لكونه من الأسباب الرئيسية لانتشار دعاء غير الله تعالى قديمًا وحديثًا كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

السبب السادس: الغلو في الصالحين (٢):

ومن الأسباب التي أدت إلى انتشار دعاء غير الله تعالى الغلو في الصالحين، وقد حذرنا الله تعالى من الغلو في الدين عمومًا في العقائد والأعمال والعبادات فقال تعالى: ﴿يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَ﴾ [النساء: ١٧١].


(١) الإبداع في مضار الابتداع: ٢١٣.
(٢) قد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن تلاعب الشيطان بالمشركين في عبادة الأصنام له أسباب عديدة تلاعب بكل قوم على قدر عقولهم ثم ذكر منها تعظيم الموتى، والغلو في المخلوق. اهـ. إغاثة اللهفان: ٢/ ١٦١، ١٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>