للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد تقدم كل من المعنيين فيكون هذا المثال داخلاً في أحدهما، وبهذا يتضح أن هذا المعنى الذي ذكره الراغب للدعاء لا يصح الاستشهاد عليه بالآية المذكورة إذا لم يكن هناك شاهد آخر من اللغة الفصحى يدل له، فعلى هذا لا يصح عده من معاني الدعاء اللغوية مع العلم بأن المعاجم اللغوية الأخرى التي اطلعنا عليها لم تذكر هذا المعنى.

[٢ - العذاب]

فقد ذكره بعض علماء اللغة (١) ومثلوا له بقوله تعالى: ﴿إِنَّهَا لَظَى (١٥) نَزَّاعَةً لِلشَّوَى (١٦) تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى﴾ [المعارج: ١٥ - ١٧]. وقالوا: إن دعوتها لهم هو ما تفعل بهم من الأفاعيل، وادَّعوا أن هذا المعنى هو الصحيح، وأنه ليس بمعنى النداء، الحقيقي، قال ابن سيده: "وقيل هو من الدعاء الذي هو النداء وليس بقوي" (٢). وهذا الذي قالوه غير صحيح، لأنه خروج عن ظاهر اللغة بدون ضرورة تلجيء إليه، وذلك من تحريف الكلم عن مواضعه وقد تسرب هذا التأويل إلى هؤلاء اللغويين من المعتزلة والجهمية الذين فتحوا باب التأويل والتحريف في كلام الله ورسوله وقلدهم بعض علماء اللغة بدون إحاطة بما يحتوي كلامهم عليه من المفاسد. ثم إن هؤلاء فروا من القول بنداء النار، وكلامها وهذا أمر ثابت بغير هذه الآية من الكتاب والسنة بعبارات صريحة لا تحتمل التأويل، قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ﴾ [ق: ٣٠]. وعن أبي


(١) ذكره الخليل بن أحمد في العين: ٢/ ٢٢١ وحكاه بصيغة يقال، وذكره الأزهري في تهذيب اللغة: ٣/ ١٢٥، ثم قال وفي قول تنادى، وذكره في المحكم: ٢/ ٢٣٥، ونقله عن محمد بن يزيد وهو المبرد في اللسان: ١٤/ ٢٦٠، ونقل عن ثعلب: تنادى من أدبر وتولى، ونقله في الوجوه والنظائر للدامغاني: ١٧٥، ونقل عن ثعلب أيضاً: دعاك الله أي أماتك الله، والإماتة أيضاً راجعة إلى معنى إنزال المكروه، وانظر أيضاً تاج العروس: ١٠/ ١٢٨.
(٢) المحكم: ٢/ ٢٣٥ وقد ذكر قبل هذا معنى آخر وهو أنها تفعل بهم الأفاعيل وهو راجع إلى العذاب.

<<  <  ج: ص:  >  >>