للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكأنه متوسل إليه بإيمانه واعتقاده أن صراط الحق هو الصراط المستقيم وأنه صراط الذين اختصهم بنعمته وحباهم بكرامته … " (١).

وقد صرح العلماء باشتمال الدعاء على التوحيد ودلالته المتنوعة العقدية والعلمية، ومن هؤلاء الذين صرحوا القاضي عياض فإنه قال: "أذن الله في دعائه، وعلم الدعاء في كتابه لخليقته، وعلم النبي الدعاء لأمته، واجتمعت فيه ثلاثة أشياء: العلم بالتوحيد، والعلم باللغة، والنصيحة للأمة" (٢).

وقال الزركشي في معنى كون الدعاء مخ العبادة: "إنما كان مخًا لتضمنه التوحيد إذ الداعي لا يدعو الله إلا وهو يوحده، ويعتقد أنه لا معطي غيره" (٣) وذكر ابن عقيل الحنبلي أن في الدعاء معنى الوجود والغنى والسمع والكرم والرحمة والقدرة فإن من ليس كذلك لا يدعى (٤).

فتبين بهذا أن الدعاء يزيد في إيمان الداعي ومعرفته وتوحيده، ويتضمن اعتقاد الداعي بوجود الرب المدعو، وعلمه وسمعه وقدرته وسائر صفاته، فالواجب على الداعي استشعار هذه المعاني وهذه الصفات.

[المطلب الثاني: في دلالة الدعاء على وجود الله تعالى]

إن الاعتراف بوجود الله تعالى أمر فطري ضروري لا يحتاج إلى إقامة برهان ولا سوق أدلة ولا ذكر حجج لأن الفطر البشرية مقرة بذلك، ومعرفته أمر ضروري لولا أن شياطين الإنس والجن تلقي بعض الأوهام بين ضعفاء العقول فتشوش عليهم، فلهذا لا نرى القرآن الكريم يكثر من إقامة البراهين الجدلية في هذا الموضوع ولكنه يشير إلى ذلك بأدلة كافية مقنعة ملزمة.


(١) بدائع الفوائد: ٢/ ١١ - ١٢.
(٢) الفتوحات الربانية: ١/ ١٧.
(٣) الأزهية ص: ٣٠، وعنه في إتحاف السادة: ٥/ ٢٩.
(٤) الآداب الشرعية: ٢/ ٢٩٢، وانظر ما سيأتي في ص: ٢٧٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>