للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستغاثته، وكشف كرباته، ومن علمه بحاله ومكانه ومصلحته في الحال والمستقبل، ومن رحمته بعبده وجوده وكرمه.

وبهذا يتبين أن الدعاء يتضمن الإيمان بالله وبأسمائه وصفاته …

وقد ذكر ابن القيم أن الصلاة على النبي والتي هي نوع من أنواع الدعاء كما تقدم (١): "متضمنة لكل الإيمان، بل هي متضمنة للإقرار بوجود الرب المدعو، وعلمه، وسمعه، وقدرته، وإرادته، وصفاته، وكلامه، … ولا ريب ولا ريب أن هذه أصول الإيمان والصلاة عليه هي متضمنة لعلم العبد ذلك وتصديقه به" (٢).

وهكذا سائر الأدعية فهي مشتملة على أصول الإيمان، بل أغلب الأدعية المأثورة إذا تأملناها نجدها تشتمل على أصول الإيمان بطريق المطابقة، وقليل منها هو الذي يدل على ذلك بطريق التضمن أو الالتزام.

ثم إن الداعي لو فرض أنه قد لا يستحضر هذه المعاني التي يتضمنها الدعاء فإن هذا لا ينافي ما يقتضيه حقيقة معنى الدعاء.

فالذي ينبغي له أن يستشعر ذلك ويجتهد في إحضار قلبه وتوجهه إلى الباري سبحانه واعتقاد تلك الصفات التي يدل عليها الدعاء الذي يدعو به إما مطابقة أو تضمنًا أو التزامًا.

قال ابن القيم: "وحق الداعي أن يستشعر عند دعائها -أي الفاتحة- ما يجب عليه اعتقاده مما لا يتم الإيمان إلا به، إذ الدعاء مخ العبادة، والمخ لا يكون إلا في عظم، والعظم لا يكون إلا في لحم ودم، فإذا وجب إحضار معتقدات الإيمان عند الدعاء وجب أن يكون الطلب ممزوجًا بالثناء، فمن ثم جاء لفظ الطلب للهداية والرغبة فيها مشوبًا بالخبر تصريحًا من الداعي بمعتقده وتوسلًا منه بذلك الاعتقاد الصحيح إلى ربه،


(١) تقدم ص: ٧٨.
(٢) جلاء الأفهام ص: ٢٧٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>