للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من كيد الشيطان. قال عبد الرحمن بن مهدي: "قد هلك قوم من هذا الوجه قالوا: الله أعظم من أن ينزل كتابًا أو يرسل رسولًا وثم قرأ ﴿وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ﴾ ثم قال: فهل هلكت المجوس إلا من جهة التعظيم، قالوا: الله أعظم من أن نعبده نحن ولكن نعبد من هو أقرب إليه منا فعبدوا الشمس وسجدوا لها فأنزل الله: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ (١)

وقد اتضح مما سبق أن هؤلاء الذين يدعون الأموات لا فرق بينهم وبين المشركين السابقين، لاعتقاد الكل الشفاعة والوساطة دون الخلق والإيجاد.

قال الرازي بعد أن ذكر عقيدة السابقين في الأصنام التي وضعت على صور الأنبياء والأكابر، قال: "ونظيره في هذا الزمان اشتغال كثير من الخلق بتعظيم قبور الأكابر على اعتقاد أنهم إذا عظموا قبورهم فإنهم يكونون شفعاء لهم عند الله" (٢)

[الوجه الثاني]

إن هذا الاعتقاد بالوساطة فيه مفاسد ومحاذير تهدم العقيدة وتزلزل أركانها من ذلك إساءة الظن بالله تعالى.

والاعتقاد بالوساطة يستلزم إساءة الظن بالله تعالى، وبعلمه وسمعه وجوده وكرمه وذلك أن الذي ظن أن الرب لا يسمع له ولا يستجيب له إلا بواسطة تطلعه على ذلك، أو تسأل ذلك منه فقد ظن بالله ظن السوء، فإنه إن ظن أنه لا يعلم أو لا يسمع إلا بإعلام غيره له وإسماعه، فذاك نفي لعلم الله وسمعه وكمال إدراكه وكفى بذلك ذنبًا، وإن


(١) إبطال التأويل لأبي يعلى ق ١٦/ ب، وعلاقة الإثبات والتفويض لرضا نعسان ص: ٧.
(٢) تفسير الرازي: ١٧/ ٦٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>