للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يديه ومكانه في هذا العالم الفسيح المترامي الأطراف والمختلطة فيه أصوات المستغيثين ونداءات المضطرين وشكايات المضطهدين.

وهذا الاعتقاد من لوازم الدعاء، ومقتضياته فلهذا عاب إبراهيم - عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والتسليم - قومه لدعائهم الأصنام التي لا تسمع قال تعالى: ﴿قَالَ هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ (٧٢) أَوْ يَنْفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ (٧٣)[الشعراء: ٧٢، ٧٣].

فسماعُ أصوات الخلائق من البعد ليس إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم قال تعالى: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ (٨٠)[الزخرف: ٨٠]، وقال: ﴿مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ﴾ [المجادلة]، وليس أحد من البشر بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد، كلهم ومن قال هذا في بشر فقوله من جنس قول النصارى الذين يقولون: إن المسيح هو الله وإنه يعلم ما يفعله العباد ويسمع أصواتهم ويجيب دعاءهم (١).

والخلاصة أن اعتقاد الداعي بأن مدعوه يسمع مناجاته ونداءاته وأنه يراه ويرى تضرعه وانكساره وانطراحه بين يديه هذا الاعتقاد من لوازم معنى الدعاء ومقتضياته، وأنَّ الداعين لغير الله تعالى كثير منهم يعتقد ذلك فيمن يدعوه (٢) وسنذكر إن شاء الله تعالى ذلك مفصلا (٣).

[صفة المعية والقرب]

ومن صفات الجلال والجمال التي يدل عليها الدعاء صفة قرب الله


(١) الرد على الأخنائي ص: ١٣٤ - ١٣٥، وعنه في الصارم المنكي ص: ١٤٧.
(٢) انظر ما يفيد اعتقادهم للسمع والبصر المحيطين لغير الله تعالى في: البريلوية لإحسان إلهي: ٦٣، ٧٨، وانظر أيضًا: ١٠٦ - ١١٢ مسألة الحاضر والناظر حيث يعتقدون أن النبي لا يخلو منه مكان ولا زمان فهو حاضر في كل مكان بعينه وكذلك الأولياء يستطيعون الحضور وانظر الكتاب نفسه ص: ١١٤ وما بعدها.
(٣) يأتي حكاية أقاويلهم في ذلك ص: ٩٣١ - ٩٤٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>