للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والحاصل أن الصيغة الواحدة تفرق بحسب النظر للمخاطَب والمخاطِب إن كانا متساويين أو أحدهما أعلى من الآخر (١).

وهذا ما ذهب إليه جمع من علماء أهل البلاغة والمنطق وهو مذهب المعتزلة وبعض الفقهاء واعترض عليه بأنه ورد إطلاق لفظ الأمر على غير هذا الوجه في مثل قول فرعون لقومه ﴿فَمَاذَا تَأْمُرُونَ﴾ [الأعراف: ١١٠] والمقام للمشورة، وفرعون أعلى منهم رتبة (٢).

[٢ - العبادة]

وهذا المعنى ورد بكثرة في استعمالات القرآن الكريم والسنّة، وكلام أهل العلم، وممن صرح بهذا المعنى أبو إسحاق الزجاج (٣) فإنه قال في قوله تعالى: ﴿أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ﴾ [البقرة: ١٨٦]: "معنى الدعاء الله ﷿ على ثلاثة أضرب، فضرب منها توحيده والثناء عليه، كقولك: يا الله لا إله إلا أنت" وقولك: "ربنا لك الحمد. . ." (٤).

وقال الزجاج أيضاً عند قوله تعالى: ﴿ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً﴾ [الأعراف: ٥٥] في تفسير خفية: "أي اعتقدوا عبادته في أنفسكم لأن الدعاء معناه العبادة" (٥).

كما صرح بهذا المعنى أيضاً كثير من اللغويين والمفسرين (٦)، فمن


(١) دلائل الرسوخ في الرد على المنفوخ: ٧٥، أو تحفة الجليس: ١٠١، ومفتاح العلوم للسكاكي ص: ٣١٩.
(٢) انظر الإبهاج في شرح المناهج للسبكي ٢/ ٦ - ٧.
(٣) هو إبراهيم بن محمد بن السري البغدادي لغوي، نحوي، مفسر، لزم المبرد، (ت ٣١١ هـ)، سير أعلام النبلاء: ١٤/ ٣٦٠، تاريخ بغداد: ٦/ ٨٩ - ٩٣، ومعجم المؤلفين: ١/ ٣٣.
(٤) معاني القرآن وإعرابه للزجاج: ١/ ٢٥٥، وعنه في تهذيب اللغة: ٣/ ١١٩، وفي اللسان: ٣/ ١٣٨٥.
(٥) معاني القرآن للزجاج: ٢/ ٣٤٤.
(٦). منهم ابن جرير في التفسير، فإنه فسر آية: ﴿وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي﴾ إلخ بوجهين أحدهما: العبادة، جامع البيان: ٢/ ١٦٠، وفي تفسير قوله تعالى: ﴿وَلَا تَطْرُدِ =

<<  <  ج: ص:  >  >>