للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ظن أنه يسمع ويرى ولكن يحتاج إلى من يلينه ويعطفه عليه فقد أساء الظن بإفضال ربه وبره وإحسانه وسعة جوده.

وقد قال تعالى عن خليله إبراهيم : ﴿أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (٨٦) فَمَا ظَنُّكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: ٨٦، ٨٧] أي: فما ظنكم أن يجازيكم إذا عبدتم معه غيره وظننتم أنه يحتاج في الاطلاع على ضرورات عباده لمن يكون بابًا للحوائج إليه، وهذا بخلاف الملوك فإنهم محتاجون إلى الوسائط لعجزهم وقصور علمهم، فأما من لا يشغله سمع عن سمع وسبقت رحمته غضبه، وكتب على نفسه الرحمة فما تصنع الوسائط عنده؟

فمن اتخذ واسطة بينه وبين الله تعالى فقد ظن به أقبح الظن، ومستحيل أن يشرعه لعباده بل ذلك يمتنع في العقول والفطر (١).

لأنه قد ثبت في العقول والفطر أن الله سبحانه هو المدبر لأمور الخلائق بدون الاستغاثة بأحد، وأنه لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء، وأنه "يسمع ضجيج الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات، لا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين" (٢).

وأي عقل سليم يترك هذا الرب الجليل ويترك الالتجاء إلى بابه ويطلب الوسطاء فإنه عقل مختل.

٣ - ومن المحاذير التي في ذلك تشبيه الخالق بالمخلوق:

وقد اعترفوا بهذا التشبيه في تجويزهم الوساطة وعللوا جوازها بأن الناس جبلوا على معرفة "أن إكرام عبيد السلطان وأتباعه وتعظيمهم هو من


(١) تجريد التوحيد: ٣١ - ١٣، والجواب الكافي: ١٤٣، وإغاثة اللهفان: ١/ ٥٠، والواسطة ضمن الفتاوى: ١/ ١٢٦، والفتاوى: ٢٧/ ٧٤، والمدارج: ٣/ ٢٧.
(٢) الواسطة بين الحق والخلق، وضمن الفتاوى: ١/ ١٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>