٢ - وقال الشيخ حسين بن مهدي النعمي ﵀ بعد أن أورد سؤالاً هل سجل الله تعالى على الوثنية بالسجود لغيره كما سجل بدعائهم غيره؟؟ قال:"وكأنه -والله أعلم- لما كان الدعاء هو العبادة أو مخها، والسجود إنما هو كأنه عبارة عن بعض معاني الدعاء، وهو المعنى الأشمل الأكمل في هذا الباب كان قبلة القصد، وعمدة المنتحى، وقاعدة المرمى، ومع التأمل أيضًا كأن الدعاء بعض معاني السجود، وكأنهما أيضًا لتلاقي حاصلهما فرسا رهان"(١).
٣ - ويمكن أن يقال في سر العدول أيضًا: إن أغلب عبادة المشركين لأوثانهم إنما هو بالدعاء والطلب كما هو مشاهد اليوم بين من يعبد القبور، فإن أغلب أعمالهم نحوها الاستغاثة والاستمداد والاستشفاع، فهذه الأعمال التي هي من أنواع الدعاء، أكثر وقوعاً وانتشارًا من الأعمال الأخرى كالنذر والذبح.
فلكون دعاء غير الله تعالى أكثر وقوعًا من غيره من أنواع الشرك الموجود عندهم، صار أهم من غيره، وانصب توجيه الإنكار عليه دون غيره من أنواع العبادات.
ومن هنا نستطيع أن نعرف أيضًا السبب في أن القرآن الكريم لم يكثر من النهي عن السجود لغيره تعالى والنذر، والذبح، وأنواع العبادات، مثل ما أكثر من النهي عن دعاء غيره تعالى فإننا إذا تتبعنا الآيات التي نهت صراحة عن السجود لغيره تعالى لا نجد إلا آية واحدة وهي قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ [فصلت: ٣٧]. بينما نجد الآيات الكثيرة المتنوعة الأساليب التي نهت عن دعاء غير الله تعالى كثيرة جدًا. فالسبب في هذا والله أعلم هو أن دعاء غير الله تعالى الأكثر وقوعًا وانتشارًا من السجود كما أن الدعاء هو المعنى الأشمل