للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصواب مذهب الجمهور لأن القاعدة المعروفة أنه عندما يظهر ما يشبه التعارض بين النصوص أن يجمع بينها أولاً إن أمكن، ثم يرجح بينها إن لم يمكن الجمع وقد أمكن هنا الأمران (١) الجمع والترجيح.

أ - فأما الجمع بينها فيمكن أن يقال فيه: إن حديث أنس في الاستسقاء يحمل على أن المنفي فيه صفة خاصة لا أصل الرفع وذلك لأن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلاً، وأما في غيره فإلى حذو المنكبين فقط أو أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض وفي غيره يليان السماء لأنَّه ورد في مسلم: "عن أنس أن النبي استسقى فأشار بظهر كفيه إلى السماء" (٢).

وأما حديث عمارة بن رُؤَيبة فخاص برفع اليدين على المنبر في خطبة الجمعة كما هو ظاهر سياق الحديث فلا معنى للتمسك به في منع رفع اليدين في الدعاء مع ثبوت الأخبار بمشروعيته (٣).

ب - وأما إذا قلنا: إن الجمع لا يمكن فننتقل إلى الترجيح، وجانب الإثبات أرجح لأمرين:

١ - إن أحاديث الإثبات متواترة وحديث النفي غير متواتر، فالمتواتر مقدم على غيره.

٢ - إن أحاديث الرفع مثبتة فالصحابة الذين رووها أخبروا عن شيء عاينوه وشاهدوه أو سمعوه من النبي ، فالمثبت مقدم على النافي والحافظ حجة على من لم يحفظ لاسيما والمثبتون جماعة والنافي واحد، ولعله لم ير ذلك أو لم يحضره أو حضر ولم يتفطن.


(١) انظر عن هذين الأمرين: شرح النووي لمسلم: ٦/ ١٩٠، والفتح: ٢/ ٥١٧، ٤١٣، ١١/ ١٤٢.
(٢) أخرجه مسلم: ٢/ ٦١٢ رقم ٨٩٦.
(٣) الفتح: ١١/ ١٤٣، وإتحاف السادة: ٥/ ٣٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>