للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معنى يطلب العلو، والساجد لا يجد من قلبه معنى يطلب السفل بل الساجد أيضًا يقصد في دعائه العلو، فقصد العلو عند الدعاء يتناول القائم والقاعد والراكع والساجد.

٢ - إنه لو قدر أن أحدهم يدعو صنمًا أو غيره مما يكون على الأرض، لكان توجه قلبه ووجهه وبدنه إلى جهة معبوده الذي يسأله ويدعوه كما يفعله النصارى في كنائسهم فإنهم يتوجهون إلى الصورة التي في الحيطان وكذلك من يقصد الموتى في قبورهم فإنه يوجه قصده وعينه إلى من في القبر، فإذا قدر أن القبر أسفل منه توجه إلى أسفل فعلم بذلك أن الخلق متفقون على أن توجيه القلب والعين واليد عند الدعاء إلى جهة المدعو فلما كانوا يوجهون ذلك إلى السماء علم إطباقهم على أن الله في جهة السماء.

٣ - إن الواحد منهم إذا اجتهد في الدعاء حال سجوده يجد قلبه يقصد العلو مع أن وجهه يلي الأرض فعلم أن القلوب حال الدعاء لا تقصد إلا العلو، وأما الوجوه والأيدي فيتنوع حالها تارة تكون في حالة السجود إلى جهة الأرض لكون ذلك غاية الخضوع، وتارة تكون حال القيام مطرقة لكون ذلك أقرب إلى الخشوع، وتارة تتوجه إلى السماء لتوجه القلب.

ونختم هذا البحث بما ذكره ابن القيم في النونية من اتفاق الثقلين على العلو ودلالة الفطرة عليه وأن الشبهات لا تستطيع مقاومتها. فقال:

وعلوه فوق الخليقة كلها … فطرت عليه الخلق والثقلان

لا يستطيع معطل تبديلها .. أبدًا وذلك سنة الرحمن

كل إذا نابه أمر يرى … متوجهًا بضرورة الإنسان

نحو العلو فليس يطلب خلفه … وأمامه أو جانب الإنسان

ونهاية الشبهات تشكيك … وتخميش وتغبير على الإيمان

<<  <  ج: ص:  >  >>