للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دون الله تعالى، ولم يصرحوا في الدعاء بهذا المراد فلم يقولوا لأصنامهم: ادعوا الله لنا أو سلوا الله لنا بل قالوا افعلوا لنا كذا وكذا.

وهناك فرق بين دعائه بأن يفعل بنفسه وبين دعائه بأن يدعو، وهذا الفرق كاف في التفريق بين الحكمين وإن كان الذي طلب أن يفعل، مراده الشفاعة والوساطة لا أن يستقل بالفعل والتأثير.

والاعتبار الثاني: أن الداعي نادى الميت من مكان بعيد، وفي ذلك اعتقاد لعلمه للغيب ولسماعه لصراخه وغوائه، وهذا الاعتقاد شرك أكبر، فبهذا يكون الطلبُ من الميت سؤال الله تعالى شركًا أكبر.

وإلى هذا الاعتبار أشار شيخ الإسلام أيضًا في معرض رده على من قال إنه يسمع صلاة المصلي عليه من البعيد، فقال: وقول القائل: إنه يسمع صوت السلام من البعيد ممتنع، فإنه إن أراد وصول صوت المصلي إليه، فهذا مكابرة وإن أراد أنه هو يكون بحيث يسمع أصوات الخلائق من بعيد فليس هذا إلا لله رب العالمين الذي يسمع أصوات العباد كلهم … وليس أحد من البشر بل ولا من الخلق يسمع أصوات العباد كلهم ومن قال: هذا في بشر فقوله من جنس قول النصارى الذين يقولون: إن المسيح هو الله، وأنه يعلم ما يفعله العباد ويسمع أصواتهم ويجيب دعاءهم. قال تعالى: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ﴾ … الآية إلى قوله تعالى: ﴿وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ (١) [المائدة: ٧٢ - ٧٦]

ففي هذا أن من اعتقد سماع أصوات العباد لغير الله يُعَدُّ من جنس النصارى أي فهو مشرك مثلهم، وربما يقال: إن هذا لازم لهم، وليس لازم المذهب بمذهب (٢) فيجاب بأنه كذلك إلا أن كثيرًا منهم يلتزم بهذا


(١) الرد على الأخنائي: ٢١٠ - ٢١١ مع الرد على البكري والصارم المنكي: ١٤٦ - ١٤٧.
(٢) انظر التحقيق في هذه المسألة: في القواعد النورانية ص: ١٢٨، وما سيأتي ص: ٥٣٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>