للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بطلبه انتفاع الداعي فقط، فهذه الصورة نادرة الوقوع أو لا تقع مطلقًا لأن من طبيعة البشر أيًا كان أنه لا يقوم بعمل إلا وله فيه غرض دنيوي أو أخروي (١).

والذي يظهر أن قول شيخ الإسلام بأن طلب الدعاء من الغير خلاف الأولى يحمل على أن ذلك ليس على حكم الأصالة، وإنما بسبب ما ينضم إلى ذلك من المحذور، ولهذا ورد عن بعض السلف (٢) كراهية طلب الدعاء منهم لما يخاف من الفتنة، فقد ذكر الإمام الشاطبي أن كراهية السلف طلب الدعاء منهم لدخول أمر زائد على أصل الطلب فصار الدعاء بتلك الزيادة مخالفًا للسنة لا على حكم الأصالة بل بسبب ما ينضم إليه من الأمور المخرجة عن الأصل مثل أن يلزم منه أن يعتقد في الذي طلب الدعاء منه أنه يقبل دعاؤه أو يخاف أنه وسيلة إلى أن يعتقد فيه ذلك أو يعتقد أنه سنة تلزم أو يجري في الناس مجرى السنة الملتزمة (٣).

هذا ومن هذه المرتبة السادسة استغاثة الخلائق في المحشر بالأنبياء فإن الأنبياء والمستشفعين بهم في مكان واحد يرى بعضهم ويسمعون كلام بعضهم.


(١) انظر كلام شيخ الإسلام في هذا في كتاب التوحيد وإخلاص العمل ص: ١٥٦ - ١٥٧.
(٢) قد أخرج الطبري في تهذيب الآثار - كما عزاه إليه الشاطبي في الاعتصام -: ٢/ ٢٤ - ٢٥ عن عمر أنه كتب لمن طلب منه الدعاء أني لست بنبي ولكن إذا أقيمت الصلاة فاستغفر لذنبك ونحوه عن سعد بن أبي وقاص وحذيفة وإبراهيم النخعي أنهم كرهوا الدعاء لمن طلب منهم وانظر هذه الآثار أيضًا في تلبيس إبليس ص. وأخرج أبو خيثمة بإسناده عن إبراهيم النخعي قوله: "كانوا يجلسون ويتذاكرون العلم والخير، ثم يتفرقون، لا يستغفر بعضهم لبعض ولا يقول: يا فلان ادع لي". اهـ كتاب العلم ص: ١٤٦ رقم ١٥٩ وصحح الألباني إسناد هذا الأثر.
(٣) الاعتصام للشاطبي: ٢/ ٢٣ - ٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>