للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يخفى ما يتسبب من تحبيذ الصوفية لأدعية وأحزاب مشايخهم وأورادهم وما اخترعوه لها من الفضائل والخصائص، حتى صارت عند العوام بل بعض الفقهاء هي المقدمة على الأدعية الصحيحة بل على القرآن لدى البعض كما وقع لدى التيجانيين مع صلاة الفاتح وجوهرة الكمال وسيأتي ذلك (١). وهؤلاء الذين يضعون الأحاديث والحكايات للأدعية المبتدعة على أصناف: فمنهم الملاحدة الباطنية الذين يريدون أن يشغلوا المسلمين عن أدعية الكتاب والسنة بأدعية مبتدعة مخترعة يشغلونهم بها، فمقصودهم إفساد الدين الإسلامي بإدخال البدع فيه (٢).

ومنهم من يبتدع طلباً للمال والاسترزاق أو طلباً للشهرة فقد ورد في الأثر ما يؤيد هذا وهو ما روي عن معاذ بن جبل أنه ستأتي فتن سيكثر فيها انتشار القرآن فيقرأه المؤمن والمنافق، فيقول الرجل من هؤلاء القراء: "ما للناس لا يتبعوني وقد قرأت القرآن؟ ما هم بمتبعي حتى ابتدع لهم غيره" فيتخذ مسجداً ويبتدع كلاماً ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله (٣).

وهذا الأثر -وإن روي موقوفاً على معاذ- لكن له حكم الرفع لأنَّه من الإخبار بالغيب مما ليس للرأي فيه مجال، ومثله ما روي عن شاب كان في بني إسرائيل فابتدع طلباً للمال والشرف (٤) ومنهم من يضع تلك الأدعية ظناً أنها تقوي الدين وتحببه إلى العامة قال بعضهم: "وإن كثيراً من البدع في العقائد والأحكام قد دخلت على المسلمين بتساهل رؤساء


(١) يأتي ص: ٦٥٨، ٦٦٣.
(٢) انظر الاعتصام: ١٨/ ٢٥٢ - ٢٥٨، والسنن والمبتدعات: ٢٢٥، والتحفة السنية: ٥٢.
(٣) أخرجه أبو داود: ٥/ ١٧ رقم ٤٦١١، وابن وضاح ص: ٢٥، ٢٦، والآجري في الشريعة: ٤٧ - ٤٨، واللالكائي: ١/ ٨٩ ورجاله ثقات.
(٤) انظر ابن وضاح ص: ٢٨، رواه عن الحسن البصري وخالد الريفي من قولهما، ومثل هذا يستأنس به.

<<  <  ج: ص:  >  >>