للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل لكل واحد منهما مفهومه الخاص وذلك عند الاجتماع، وأما عند الافتراق والتجرد فيتناول مفهوم أحدهما الآخر.

ومثل الدعاء غيره من أنواع العبادات الكثيرة، مثل التوكل والتقوى والطاعة فإن هذه الألفاظ إذا اقترنت كان لها معنى خاص وإذا انفردت عمت، قال شيخ الإسلام: "ومن هذا الباب لفظ العبادة، فإذا أمر بعبادة الله مطلقًا دخل في عبادته كل ما أمر الله به، فالتوكل عليه مما أمر الله به والاستعانة به مما أمر الله به، فيدخل ذلك في مثل قوله: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات: ٥٦]، وفي قوله: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا﴾ [النساء: ٣٦]، ثم قد يقرن بها اسم آخر كما في قوله: ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ وقوله: ﴿فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ﴾ [هود: ١٢٣]، وقول نوح: ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ﴾ (١) [نوح: ٣]، وذكر شيخ الإسلام أيضًا أن: "العبادة إذا أفردت دخل فيها التوكل ونحوه وإذا قرنت بالتوكل صار التوكل قسيمًا لها" (٢) ولا يخفى أن الدعاء مثل التوكل تمامًا.

ثم إن هذا المذكور من تنوع معنى العبادة بحسب الاجتماع والتفرق ليس خاصًا بها، فهذا الأسلوب كثيرًا ما يجيء في القرآن، تتنوع دلالة اللفظ في عمومه، وخصوصه بحسب الإفراد والاقتران كلفظ المعروف والمنكر ولفظ الفقراء والمساكين ولفظ البر والتقوى، ولفظ الإيمان والإسلام، ولفظ الكفر والفسوق والمعصية، ولفظ الصالح والصديق، وهذا باب واسع كثر وروده في القرآن الكريم (٣).


(١) الإيمان: ١٤٣، ط. دار الكتب العلمية، وضمن الفتاوى: ٧/ ١٦٣.
(٢) الفتاوى: ١٠/ ٢٧٤.
(٣) يرجع في هذا إلى كتاب الإيمان لابن تيمية ففيه بحث ممتع في هذا من ص ١٤ - ٧٩، والعبودية: ٧٦ - ٨٠، والفتاوى: ١٠/ ٢٧٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>