للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فهذه الاستغاثة من خصائص الله تعالى لا يطلب فيها غيره، والسبب في منع الاستغاثة بغير الله في هذا لأن "ما لا يقدر عليه من الأمور العامة الكلية كهداية القلوب ومغفرة الذنوب، والنصر على الأعداء، وطلب الرزق من غير جهة معينة والفوز بالجنة والإنقاذ من النار ونحو ذلك غايةٌ في القصد والإرادة، فسؤاله وطلبه غاية في السؤال والطلب، وفي ذلك من الذل وإظهار الفاقة والعبودية ما لا ينبغي أن يكون لمخلوق أو يقصد به غير الله" (١).

وقد تقدم (٢) ذكر ما يبين في مبحث مراتب الدعاء غير المشروع، فاتضح مما سبق أن ما استدلوا به كله من القسم الأول الجائز فإن موسى في المثال الأول قادر على إغاثة الرجل الذي استغاث به وهو حي حاضر، ومثل ذلك ما ورد في أحاديث الشفاعة فإن الأنبياء حاضرون مع الناس فيطلبون منهم الدعاء والشفاعة، وذلك في مقدورهم، ومما يدل على ذلك دلالة واضحة أن الناس يذهبون إليهم واحدًا بعد واحد، فلو كان من الاستغاثة المدعية لما تجشموا الذهاب في ذلك الموقف الحرج بل اكتفوا بذكر أسمائهم أو ندائهم والصراخ بأسمائهم بدون أن يحضروا عندهم ويتجشموا الذهاب إليهم.

فدل هذا على أن هذه الاستغاثة من باب طلب الدعاء من الحي الحاضر، ومن النوع استغاثة هاجر فإنها لما سمعت صوتًا طلبت من صاحب الصوت أن يغيثها وهو حاضر قريب إليها.

وأما ما روي في قصة إبراهيم على فرض صحته فإنه أيضًا من هذا النوع، فإن جبريل شديد القوى كما وصفه الله يقدر على إغاثة إبراهيم وإلقائه خارج النار، أو إلقاء النار في مكان بعيد.


(١) تحفة الطالب والجليس: ١٠٤.
(٢) تقدم ص: ٤٩٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>