لَفْظُ حَدِيثِ ابن كَثِير وَمَعْناهُمْ قالَ: كَتَبَ رَجُلٌ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيزِ يَسْأَلُهُ عَنِ القَدَرِ، فَكَتَبَ أَمّا بَعْدُ أُوصِيكَ بِتَقْوى اللَّهِ والاقْتِصادِ في أَمْرِهِ واتِّباعِ سُنَّةِ نَبِيِّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- وَتَرْكِ ما أَحْدَثَ المُحْدِثُونَ بَعْدَ ما جَرَتْ بِهِ سُنَّتُهُ وَكُفُوا مُؤْنَتَهُ، فَعَلَيْكَ بِلُزُومِ السُّنَّةِ فَإِنَّها لَكَ بإذْنِ اللَّهِ عِصْمَةٌ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَبْتَدِعِ النّاسُ بِدْعَةٌ إِلا قَدْ مَضَى قَبْلَها ما هُوَ دَلِيلٌ عَلَيْها أَوْ عِبْرَةٌ فِيها فَإنَّ السُّنَّةَ إِنَّما سَنَّها مَنْ قَدْ عَلِمَ ما في خِلافِها وَلَم يَقُلِ ابن كَثِيرٍ مَنْ قَدْ عَلِمَ. مِنَ الخَطَإِ والزَّلَلِ والحُمْقِ والتَّعَمُّقِ فارْضَ لِنَفْسِكَ ما رَضي بِهِ القَوْمُ لأَنْفُسِهِمْ، فَإِنَّهُمْ عَلَى عِلْمٍ وَقَفُوا، وَبِبَصَرٍ نافِذٍ كَفَوْا، وَهُمْ عَلَى كَشْفِ الأُمُورِ كانُوا أَقْوى وَبِفَضْلِ ما كانُوا فِيهِ أَوْلَى، فَإِنْ كانَ الهُدى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ لَقَدْ سَبَقْتُمُوهُمْ إِلَيْهِ وَلَئِنْ قُلْتُمْ إِنَّما حَدَثَ بَعْدَهُمْ. ما أَحْدَثَهُ إِلا مَنِ اتَّبَعَ غَيْرَ سَبِيلِهِم وَرَغِبَ بِنَفْسِهِ عَنْهُمْ فَإِنَّهُمْ هُمُ السّابِقُونَ، فَقَدْ تَكَلَّمُوا فِيهِ بِما يَكْفي وَوَصَفوا مِنْه ما يَشْفي فَما دُونَهُمْ مِنْ مَقْصَرٍ وَما فَوْقَهُمْ مِنْ مَحْسَرٍ وَقَدْ قَصَّرَ قَوْمٌ دُونَهُمْ فَجَفَوْا، وَطَمَحَ عَنْهُمْ أَقْوامٌ فَغَلَوْا، وإِنَّهُمْ بَيْنَ ذَلِكَ لَعَلَى هُدًى مُستَقِيمٍ كَتَبْتَ تَسْأَلُ عَنِ الإِقْرارِ بِالقَدَرِ، فَعَلَى الخَبِيرِ بإِذْنِ اللَّهِ وَقَعْتَ ما أَعْلَمُ ما أَحْدَثَ النّاسُ مِنْ مُحْدَثَةٍ وَلا ابْتَدَعُوا مِنْ بِدْعَةٍ هي أَبْيَنُ أثَرًا وَلا أَثْبَتُ أَمْرًا مِنَ الإِقْرارِ بِالقَدَرِ لَقَدْ كَانَ ذَكَرَهُ في الجاهِلِيَّةِ الجُهَلاءُ يَتَكَلَّمُونَ بِهِ في كَلامِهِمْ وَفي شِعْرِهِمْ يُعَزُّونَ بِهِ أَنْفُسَهُمْ عَلَى ما فاتَهُمْ، ثُمَّ لَمْ يَزِدْهُ الإِسْلامُ بَعْدُ إِلا شِدَّةً وَلَقَدْ ذَكَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه وسلم- في غَيْرِ حَدِيثٍ وَلا حَدِيثَيْنِ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْهُ المُسْلِمُونَ فَتَكلَّمُوا بِهِ في حَياتِهِ وَبَعْدَ وَفاتِهِ يَقِينًا وَتَسْلِيمًا لِرَبِّهِمْ وَتَضْعِيفًا لأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَكُونَ شَيء لَمْ يُحِطْ بِهِ عِلْمُهُ وَلم يُحْصِهِ كِتابُهُ وَلم يَمْضِ فِيهِ قَدَرُهُ وِانَّهُ مَعَ ذَلِكَ لَفي مُحْكَمِ كِتابِهِ مِنْهُ اقْتَبَسُوهُ وَمِنْهُ تَعَلَّموهُ. وَلَئِنْ قُلْتُمْ: لِمَ أَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ كَذا، وَلم قالَ كَذا؟ لَقَدْ قَرَءُوْا مِنْهُ ما قَرَأْتُمْ وَعَلِمُوا مِنْ تَأْوِيلِهِ ما جَهِلْتُمْ وَقالُوا بَعْدَ ذَلِكَ كُلِّهِ بِكِتابٍ وَقَدَرٍ وَكُتِبَتِ الشَّقاوَةُ، وَما يُقَدَّرْ يَكُنْ، وَما شاءَ اللَّهُ كانَ وَما لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَلا نَمْلِكُ لأَنْفُسِنا ضَرّا وَلا نَفْعًا، ثُمَّ رَغَبُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَرَهِبُوا (١).
(١) رواه الفريابي في "القدر" (٤٤٦)، وابن وضاح في "البدع" (٧٤)، والآجري في =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute