للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

(وكان عن دين) الذي يعطيه الملك عوضًا (أحدكم) بأن يعطيه العطاء ويحمله على فعل ما لا يحل له فعله في الشرع من قتال من لا يحل قتاله، وفعل ما لا يجوز فعله في دين الله تعالى (فدعوه) وعن الشعبي، عن أبي مسروق: لا يزال القضاء بأهل العطاء حتى يدخلهم النار. أي: يحملهم إعطاء الملك وإحسانه إليهم على ارتكاب الحرام، لا أن العطاء في نفسه حرام.

قال الغزالي: وقد اختلفوا في أخذ العطاء من مال السلطان فقال قوم: كل ما لا يتيقن أنه حرام فله أن يأخذه، وقال آخرون: لا يحل له أن يأخذ ما لم يتحقق أنه حلال.

وقد احتج من جوز الأخذ منه إذا كان فيه حرام وحلال إذا لم يتحقق أن غير المأخوذ حرام بما روي عن جماعة من الصحابة أنهم أدركوا الظلمة وأخذوا من أموالهم، وأخذ كثير من التابعين، وأخذ الشافعي من هارون الرشيد ألف دينار في دفعة واحدة، وأخذ مالك من الخلفاء أموالًا جمة، وإنما ترك من ترك العطاء منهم تورعًا مخافة على دينه، قال: وأغلب أموال السلاطين حرام في هذِه الأعصار، والحلال في أيديهم معدوم أو عزيز. انتهى (١).

وهذا في زمانه -رضي الله عنه-، فكيف بمالهم اليوم، وكان السلاطين في العصر الأول لقرب عهدهم بزمان الخلفاء الراشدين يستميلون قلوب العلماء حريصين على قبولهم عطاياهم، ويبعثون إليهم من غير سؤال ولا إذلال، بل كانوا يتقلدون المنة بقبولهم ويفرحون به، وكانوا يأخذون


(١) "إحياء علوم الدين" ٢/ ١٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>