فِي مَسْجِدِي هَذَا فَعَبْدِي فُلَانٌ حُرٌّ، فَرَفَعَ الْعَبْدُ أَمْرَهُ الْحَنَفِيُّ يَرَى صِحَّةَ تَعَدُّدِ الْجَامِعِ، فَحَكَمَ بِعِتْقِهِ، فَالْعِتْقُ مَحَلُّ الْحُكْمِ فَيَرْتَفِعُ فِيهِ الْخِلَافُ قَطْعًا. وَأَمَّا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمَالِكِيِّ فَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْخِلَافُ أَيْضًا، أَفْتَى النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ بِرَفْعِهِ وَسَلَّمَهُ لَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ عَنْهُ وَفِيهِ نَظَرٌ. إذْ حَكَمَ الْحَاكِمُ بِالْعِتْقِ - لِكَوْنِهِ يَرَى صِحَّةَ الْجُمُعَةِ - لَا يَسْتَلْزِمُ الْحِصَّةَ عِنْدَ غَيْرِ الْحَاكِمِ فِي ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، إذْ حُكْمُهُ بِالْعِتْقِ لَا يَتَعَدَّى لِصِحَّةِ الْجُمُعَةِ؛ فَفَتْوَاهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - غَيْرُ صَوَابٍ.
(لَا أَحَلَّ) حُكْمُهُ (حَرَامًا) فِي الْوَاقِعِ بِحَيْثُ لَوْ اطَّلَعَ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ مَا حَكَمَ. وَحَاصِلُهُ: أَنَّ حُكْمَهُ صَحِيحٌ فِي ظَاهِرِ الْحَالِ إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ فِي الْبَاطِنِ فِعْلُ الْحَرَامِ، فَحُكْمُهُ الْمَذْكُورُ لَا يُحِلُّ ذَلِكَ الْحَرَامَ. كَمَا لَوْ ادَّعَى إنْسَانٌ عَلَى رَجُلٍ بِدَيْنٍ دَعْوَى بَاطِلَةً، وَأَقَامَ عَلَيْهَا بَيِّنَةَ زُورٍ، فَطَلَبَ الْحَاكِمُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ تَجْرِيحَهَا فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَجْرِيحِهَا، فَحَكَمَ لَهُ بِهِ، فَالْحُكْمُ صَحِيحٌ فِي الظَّاهِرِ، وَلَكِنْ لَا يَحِلُّ لِلْمُدَّعِي أَخْذُ ذَلِكَ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ. وَكَذَا إذَا لَمْ يُقِمْ بَيِّنَةً فَطَلَبَ الْحَاكِمُ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [الْحَنَفِيُّ] : أَيْ قَاضٍ حَنَفِيٌّ وَقَوْلُهُ يَرَى صِحَّةَ تَعَدُّدِ الْجَامِعِ أَيْ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ، لِأَنَّ الْمَدَارَ عِنْدَهُمْ فِي صِحَّةِ الْجُمُعَةِ عَلَى وُجُودِ الْأَحْكَامِ الْمُنَصَّبَةِ لِإِقَامَةِ الشَّرِيعَةِ وَإِنْ لَمْ يُقِيمُوهَا بِالْفِعْلِ، فَمَتَى وُجِدَتْ تِلْكَ الْهَيْئَةُ وَجَبَتْ الْجُمُعَةُ وَلَا يَضُرُّ تَعَدُّدُهَا.
قَوْلُهُ: [فَيَرْتَفِعُ فِيهِ الْخِلَافُ قَطْعًا] : أَيْ فَلَيْسَ لِمَالِكِيٍّ وَلَا شَافِعِيٍّ مَنْعُ الْعِتْقِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِ هَذَا الْحُكْمِ قَبْلَ الصَّلَاةِ أَوْ بَعْدَهَا.
قَوْلُهُ: [وَأَمَّا صِحَّةُ الصَّلَاةِ فِيهِ لِلْمَالِكِيِّ] . أَيْ وَغَيْرِهِ.
قَوْلُهُ: [فَيَرْتَفِعُ فِيهَا الْخِلَافُ] : فِيهِ حَذْفُ حَرْفِ الِاسْتِفْهَامِ، وَالْأَصْلُ فَهَلْ يَرْتَفِعُ؟ .
قَوْلُهُ: [أَيْضًا] : كَمَا ارْتَفَعَ الْخِلَافُ فِي الْحُكْمِ بِصِحَّةِ الْعِتْقِ.
قَوْلُهُ: [أَفْتَى النَّاصِرُ اللَّقَانِيُّ بِرَفْعِهِ] : أَيْ لِبَعْضِ مُلُوكِ مِصْرَ.
وَقَوْلُهُ: [وَسَلَّمَهُ الْمُتَأَخِّرُونَ] : أَيْ كَالْأُجْهُورِيِّ وَأَتْبَاعِهِ.
قَوْلُهُ: [وَفِيهِ نَظَرٌ] إلَخْ: أَيْ مِنْ كَلَامِ شَارِحِنَا. .
قَوْلُهُ: [إلَّا أَنَّهُ يَلْزَمُ عَلَيْهِ] إلَخْ: الْمُنَاسِبُ إلَّا إنْ لَزِمَ إلَخْ وَيَكُونُ جَوَابُ الشَّرْطِ قَوْلَهُ فَحُكْمُهُ الْمَذْكُورُ.
قَوْلُهُ: [فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى تَجْرِيحِهَا] : أَيْ لَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَا يَرَى الْبَحْثَ عَنْ الْعَدَالَةِ.