إجْرَائِهَا عَلَى الْأَلْسُنِ وَالتَّفَكُّرِ فِي مَعْنَاهَا وَالْعَمَلِ بِمُقْتَضَى الْمَعْنَى، فَإِنَّهُ إذَا عَلِمَ أَنَّهُ لَا إلَهَ غَيْرُهُ تَعَالَى وَأَنَّهُ الْمُنْفَرِدُ بِالْإِيجَادِ وَالْإِحْسَانِ وَالنَّفْعِ وَالضَّرِّ بِلَا غَرَضٍ وَلَا شَرِيكٍ نَشَأَ لَهُ تَعَلُّقٌ بِهِ تَعَالَى وَاعْتِمَادٌ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ فَظَهَرَتْ عَلَيْهِ أَنْوَارٌ مَعْنَوِيَّةٌ وَحِسِّيَّةٌ (فَيَتَنَوَّعُ مِنْ مُجْمَلِ نُورِهَا عِنْدَ امْتِزَاجِهَا بِالرُّوحِ وَالْبَدَنِ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْأَذْكَارِ الظَّاهِرِيَّةِ وَالْبَاطِنِيَّةِ الَّتِي مِنْهَا التَّفَكُّرُ فِي دَقَائِقِ الْحِكَمِ الْمُنْتِجَةِ لِدَقَائِقِ الْأَسْرَارِ) فَيَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْحَضْرَةِ الشَّاهِدِينَ الْحَاضِرِينَ مَعَ النَّاسِ بِأَبْدَانِهِمْ الْغَائِبِينَ فِي حُبِّهِ؛ كَشَيْخِنَا الْمُصَنِّفِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ. وَمَا زَالَ يَتَرَقَّى فِي أَحْوَالٍ لَا تُدْرَكُ
ــ
[حاشية الصاوي]
قَوْلُهُ: [وَالْعَمَلُ يَقْتَضِي الْمَعْنَى] : أَيْ الْخِدْمَةُ عَلَى حَسْبِ مَا شَاهَدَ مِنْ جَمَالِ اللَّهِ وَجَلَالِهِ كَمَا قَالَ الْعَارِفُ الدُّسُوقِيُّ:
قَدْ كَانَ فِي الْقَلْبِ أَهْوَاءٌ مُفَرَّقَةٌ ... فَاسْتَجْمَعَتْ مُذْ رَأَتْك الْعَيْنُ أَهْوَائِي
تَرَكْت لِلنَّاسِ دُنْيَاهُمْ وَدِينَهُمْ ... شُغْلًا بِحُبِّك يَا دِينِي وَدُنْيَائِي
قَوْلُهُ: [أَنْوَارٌ مَعْنَوِيَّةٌ] : أَيْ وَهِيَ الْعُلُومُ الرَّبَّانِيَّةُ.
وَقَوْلُهُ: [وَحِسِّيَّةٌ] : أَيْ وَهِيَ صُفْرَتُهُ وَنُحُولَتُهُ وَمَا فِي مَعْنَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: [مِنْ مُجْمَلِ نُورِهَا] : وَهِيَ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ وَالْمُرَادُ بِنُورِهَا الْمُجْمَلِ مَعْنَاهَا الَّذِي يَسْتَحْضِرُهُ التَّالِي.
قَوْلُهُ: [جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْأَذْكَارِ] : أَيْ كَمَا قَالَ صَاحِبُ الْهَمْزِيَّةِ:
وَإِذَا حَلَّتْ الْهِدَايَةُ قَلْبًا ... نَشِطَتْ فِي الْعِبَادَةِ الْأَعْضَاءُ
قَوْلُهُ: [الَّتِي مِنْهَا التَّفَكُّرُ] : صِفَةٌ لِلْبَاطِنِيَّةِ، وَفِي الْحَقِيقَةِ التَّفَكُّرُ هُوَ أَفْضَلُ الْأَذْكَارِ؛ لِأَنَّ بِهِ تَنْفَجِرُ يَنَابِيعُ الْحِكَمِ قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الشَّاذِلِيُّ: ذَرَّةٌ مِنْ عَمَلِ الْقُلُوبِ خَيْرٌ مِنْ مَثَاقِيلِ الْجِبَالِ مِنْ عَمَلِ الْأَبْدَانِ.
قَوْلُهُ: [الْحِكَمِ] : الْمُرَادُ بِهَا صُنْعُهُ تَعَالَى قَالَ فِي الْجَوْهَرَةِ:
فَانْظُرْ إلَى نَفْسِك ثُمَّ انْتَقِلْ ... لِلْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ ثُمَّ السُّفْلِيِّ
تَجِدْ بِهِ صُنْعًا بَدِيعَ الْحِكَمِ
قَوْلُهُ: [وَمَا زَالَ يَتَرَقَّى] : أَيْ صَاحِبُ هَذَا الْمَقَامِ.
قَوْلُهُ: [فِي أَحْوَالٍ لَا تُدْرَكُ] : أَيْ لِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَمْ يَذُقْ مَذَاقَهُ كَمَا قَالَ الْعَارِفُ الْبَكْرِيُّ: