للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

تَعَالَى فِي جَمِيعِ أَحْوَالِهِ، وَالْمُنْكَسِرُ: الْحَزِينُ، وَالْفُؤَادُ: الْقَلْبُ، وَإِسْنَادُ الِانْكِسَارِ بِمَعْنَى الْحُزْنِ إلَيْهِ مَجَازٌ، وَقَوْلُهُ: مِنْ التَّقْصِيرِ عِلَّةٌ لِانْكِسَارِ فُؤَادِهِ، وَالْمُرَادُ بِهِ: قِلَّةُ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى؛ فَهُوَ كَقَوْلِ الشَّيْخِ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى،

وَأَحْمَدُ: بَيَانٌ لِلْعَبْدِ، وَالدَّرْدِيرُ: لَقَبٌ اُشْتُهِرَ بِهِ كَأَبِيهِ بَيْنَ النَّاسِ. وَكَانَ الْوَالِدُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - رَجُلًا صَالِحًا عَالِمًا مُتْقِنًا لِلْقُرْآنِ، فَقَدَ بَصَرَهُ فِي آخِرِ عُمْرِهِ، فَاشْتَغَلَ بِتَعْلِيمِ الْأَطْفَالِ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى، فَحَفِظَ الْقُرْآنَ عَلَى يَدِهِ خَلْقٌ كَثِيرٌ، وَكَانَ يُعَلِّمُ الْفُقَرَاءَ حِسْبَةً لِلَّهِ تَعَالَى لَا يَأْخُذُ مِنْهُمْ صِرَافَةً وَلَا غَيْرَهَا، بَلْ رُبَّمَا وَاسَاهُمْ مِنْ عِنْدِهِ، وَكَانَ كَثِيرَ السُّكُوتِ لَا يَتَكَلَّمُ إلَّا نَادِرًا، وَوِرْدُهُ - فِي غَالِبِ أَوْقَاتِهِ

ــ

[حاشية الصاوي]

قَوْلُهُ: [الْمُنْكَسِرُ الْحَزِينُ] : يُشِيرُ بِذَلِكَ إلَى أَنَّ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ اسْتِعَارَةً تَبَعِيَّةً، حَيْثُ شَبَّهَ حُزْنَ الْقَلْبِ بِالِانْكِسَارِ الَّذِي هُوَ تَفَرُّقُ أَجْزَاءِ الشَّيْءِ الصُّلْبِ بِجَامِعِ التَّلَفِ وَالتَّشَتُّتِ فِي كُلٍّ، وَاسْتَعَارَ اسْمَ الْمُشَبَّهِ بِهِ لِلْمُشَبَّهِ، وَاشْتُقَّ مِنْهُ مُنْكَسِرٌ بِمَعْنَى حَزِينٍ، وَالْقَرِينَةُ إضَافَتُهُ لِلْفُؤَادِ.

قَوْلُهُ: [مَجَازٌ] : أَيْ عَقْلِيٌّ مِنْ إسْنَادِ مَا لِلْكُلِّ لِلْبَعْضِ الَّذِي هُوَ الْفُؤَادُ، وَإِنَّمَا خُصَّ الْفُؤَادُ دُونَ سَائِرِ الْأَعْضَاءِ لِأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَلِذَلِكَ قَالَ عُلَمَاءُ الْبَيَانِ: إذَا أُسْنِدَ مَا لِلْكُلِّ لِلْجُزْءِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ لِذَلِكَ الْجُزْءِ مَزِيَّةٌ تُمَيِّزُهُ، إذَا عَلِمْت مَا تَقَدَّمَ مِنْ الِاسْتِعَارَةِ، وَمَا هُنَا مِنْ الْمَجَازِ الْعَقْلِيِّ، فَفِي كَلَامِهِ مَجَازٌ عَلَى مَجَازٍ.

قَوْلُهُ: (عِلَّةٌ لِانْكِسَارِ فُؤَادِهِ) : أَيْ حُزْنُهُ إنَّمَا جَاءَ مِنْ رُؤْيَةِ التَّقْصِيرِ فِي حُقُوقِ اللَّهِ، وَهَذَا سُنَّةُ الْعَارِفِينَ بِرَبِّهِمْ لَا يَرَوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ عَمَلًا، كَمَا قَالَ السَّيِّدُ الْبَكْرِيُّ: إلَهِي إنِّي أَخَافُ أَنْ تُعَذِّبَنِي بِأَفْضَلِ أَعْمَالِي.

قَوْلُهُ: [كَقَوْلِ الشَّيْخِ إلَخْ] : الْمُرَادُ بِهِ الشَّيْخُ خَلِيلٌ.

قَوْلُهُ: [بَيَانٌ] أَيْ عَطْفُ بَيَانٍ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا لِأَنَّ نَعْتَ الْمَعْرِفَةِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا يُعْرَبُ بِحَسَبِ الْعَوَامِلِ، وَتُعْرَبُ مِنْهُ بَدَلًا أَوْ عَطْفَ بَيَانٍ، بِخِلَافِ نَعْتِ النَّكِرَةِ إذَا تَقَدَّمَ عَلَيْهَا فَيُعْرَبُ حَالًا، وَتُعْرَبُ هِيَ عَلَى مَا كَانَتْ عَلَيْهِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

لَمِّيَّةُ مُوحِشًا طَلَلُ

قَوْلُهُ: [فِي غَالِبِ أَوْقَاتِهِ] : وَهِيَ الْأَوْقَاتُ الَّتِي لَمْ يَكُنْ مَشْغُولًا فِيهَا بِالْقُرْآنِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>