وهربت مرضعة حسن بن أَحمد بن أُويس إلى حلب فقدمت به في رمضان، وقيل إن قرا يوسف لمّا ظفر به سلَّمه لبعض أَصحابه وقال:"إنِّي لم أُنْصَر عليه بقوّتي ولكن بغدره"، وكان قرا يوسف لا يحبّ القتل فخشى مَنْ فرّ إلى قرا يوسف من أَحمد أَن يطلقه فيهلكهم فتسبّبوا في قتله إلى أَن لم يجد بدًّا من الأَمر بقتله فأَمر بخنقه ظاهرا، وأَسرّ إلى مَنْ يخفيه أَن يُبقِي عليه، ثم أَحضر شخصًا يشبهه فشنقه، فرضي أَصحابه بذلك.
ولهذا كان قرا يوسف وولده محمد ومن عرف القصة إذا أُشيع أَن أَحمد حيَّ يصدّقون بذلك ولا يتوقَّفون، وقد أُشيع بعد ستِّ سنين من هذا التاريخ أَنَّه حيّ.
* * *
وفيه في ثالث عشري صفر نودي بالقاهرة أَن تكون الفلوس بإثني عشر درهمًا كلُّ رطلٍ وكان بستة؛ والذهب بمائتين منها، واشتدّ الأَمر وفُقِد الخبز وغلقت الأَسواق فغضب الناصر من ذلك، وكان قد حصّل من الفلوس جملة كبيرةً لتحسين بعض الناس له ذلك، وسوّلت له نفسه أَنَّه إذا صيّرها بإِثني عشر كل رطل ربح في كل أَلفٍ أَلْفًا أُخرى، فاشتدت عليه مخالفتهم لأَمره وهَمَّ بأَن يضع السيف في العامّة، وبات (١) من الناس في كرب، ثم لم يزل به الأُمراءُ حتى أَذن أَن يكون بتسعٍ كلُّ رطل، فنودي بذلك فسكن الحال قليلا وظهرت المآكل، ثم شفع إليه الأُمراءُ أَن يعيدها كما كانت عليه لما حصل لهم من العطلة في تجهيزهم إلى السّفر فنودِيَ عليها بستةٍ ففُتحت الأَسواق.
وقيل كان السبب أَنه سأَل عن سعر الحديد الذي يُنْعل به الخيول والبغال وعن الحديد والسلاسل فقيل له:"كل رطل بإثني عشر"، فأَنكر ذلك وقال:"الفلوس من النحاس، وهو أَغْلى من الحديد، فكيف يكون النحاس أَرخص من الحديد! " فلما تخيّل المماليك أَن ذلك بسببهم نفروا منه فرجع عن ذلك.