للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم جاءَ الناصر في هذه السنة فكره مكان بُقْعَتِها لأَنَّ المتغلِّبين صاروا يستعينون على حصار القلعة بالنزول فيها، فهدمها فصارت رابيةً عالية، وحوّل ما يُنتفع به من حجارتها وأَخشابها إلى الأَمكنة التي يريدها، فبقيت كذلك إلى آخر دولة المؤيّد فأَمر بعمارتها مرستانًا وسكن فيه بعض المرضى، ومات المؤيد بعد ذلك فحوّلوه بعده جامعًا ومنزلًا للواردين.

* * *

وأمر في هذا الشهر بهدم الدور الملاصقة لسور القلعة تحت الطبلخاناه وغيرها فهُدمت من ثم إلى باب القرافة وتشتَّت سكانها.

وفيه خُتم على جميع الحواصل التي يُظن أَن بها فلوسًا بالقاهرة، وندب الناصر لذلك أَحمد بن الطبلاوى والى القاهرة - قبل قتْله - ومجد الدين سالم بن سالم قاضى الحنابلة ففتحا حواصل الناس ونقلا ما فيها من الفلوس وأَعطيا لكل واحد ثمن فلوسه ذهبًا في كل قفة ثلاثٌ ناصرية، وكانت قيمتها يومئذ ثلاثًا وثمنا فجمع منها شيئًا كثيرًا، فكان ذلك هو السبب في مناداته عليها كل رطل بإثنى عشر درهما كما تقدّم (١). ويقال إن الذي أَخبره برخص الفلوس وأَن قيمتها قبل ذلك كانت تقتضى أَن يكون كل رطل بعشرين درهمًا: الشيخ سراج الدين البهادرى (٢) أحد الأَطباء، فجرّه ذلك إلى الطمع الكائن في نفسه قبل ذلك إلى أَن نادى عليها بإثنى عشر فلم يمْشِ له ذلك إلا بالمشقَّة، فترك بعد أَن حصّل من من البلاد ما حصّل.

* * *

وفيها كانت بين الحجّاج من أَهل دمشق وبين العرب بناحية زيرا محاربة، فجُرح أمير الحاج ومات من تلك الجراح.


(١) انظر ما سبق ص ٤٨٧، ص ١٥ - ١٨.
(٢) هو عمر بن منصور بن عبد الله السراج القاهرى الحنى المعروف بالبهادري، كان الطب أحد الفروع التي اشتغل بها، كما درسه في البيمارستان وجامع ابن طولون، وكانت وفاته يوم ١٢ شوال سنة ٨٣٤ هـ، انظر السخاوى: الضوء اللامع ٦/ ٤٣٢.