وحصل لأهل الحرمَيْن منه برٌّ كبير وظهر منه تواضع زائد، منه أن القاضي أشار عليه أن يطوف راكبًا خشبةً عليه من الزحمة وذكر له أن رسولَ الله ﷺ طاف راكبا فقال:"ومَنْ أنا حتى أكون مثل رسول الله ﷺ؟ " ثم طاف راجلًا ومنع حاشيته أن يتعرّضوا للناس فزاحمهم وزاحموه وغسل الكعبة بيده وغسل إحرامات الناس، وأبطل مكس مكة وعرض أسراها، وكسا البيت بالحرير الأطلس، وأجرى عينَ خليص بعد أن كانت انقطعت، واجتمع عنده بمكة أكابر بني مهدى وبني طيّ وغسّان وأمراءُ مكة والمدينة وبنى لام وأولاد مهنّا، ولم يخطب باسم صاحب اليمن مدة إقامته بمكة، ودخل مصر في ثاني عشر المحرم.
وفى سنة عشرين هادنه بوسعيد ملك المغل وجَهّز المحمل من العراق وخطب للناصر على منبر نوريز مع أبي سعيد، وحمل سنة إحدى وعشرين إلى مكة ألْفَى إردب يفرقها لمّا بلغه أن الغلاء بها. وفيها أرسل إلى النوبة عسرًا.
وفى سنة أربعٍ وعشرين أبطل مكس القمح ببلاد الشام كلها وكان يؤخذ على كل أردبٍ ثلاثةُ دراهم، وكان المتحصّل عن ذلك في كل سنةٍ ألفُ ألفٍ ومائتا ألفِ درهم نقدة.
وتقدّم في سنة أربعٍ وعشرين إلى الكتبة بالدواوين أن يكتبوا له أوراقًا بما يُتَحَصل من الجهات وبما يُصرف، فلما قُرِئت عليه أمر أن يُرفَع إليه كل يوم أوراق ما يُتحصَّل وما يصرف، فضبط الأمر واستبدّ بمعرفة ما يتعلَّق بالدولة.
وبعث في سنة خمس وعشرين سريّةً مع بيبرس الحاجب وغيره إلى اليمن.
وفيها حفر الخليج الناصرى خارج القاهرة، وأنشأَ الخانقاه بسرياقوس، وجرَّد عسكرًا إلى برقة لمنْع العربان زكاة أموالهم.
وفى سنة ثمان وعشرين جُدِّدت عماراتٌ بالمسجد الحرام، وأجرى العين التي كانت