للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢٤ - فتح الله (١) بن معتصم بن نفيس الداودي التبريزي [البغدادي المولد]، فتح الدين الحنفى، وُلد سنة تسع وخمسين وقدم مع أبيه إلى القاهرة فمات أبوه وهو صغير فكفله عمّه بديع بن نفيس فتميَّزَ في الطِّبّ وبرع، وقرأ "المختار في الفقه"، وتردّد إلى مجالس العلم وتعلَّم الخطَّ، وباشر العلاج وصحب بيبغا السابقي في أيّام الأشرف واختُصّ به فرافقه من مماليكه الأَمير شيخ الصفوى؛ وكان بارعَ الجمال فانتزعه برقوق لما قَبض على السابقي وصار مِن أخصّ المماليك عنده، فزوّج فتح الله أُمّه وفوّض إليه أُمورَه وأسْكنه معه فاشتهر حينئذٍ وشاع ذِكره؛ واستقر في رئاسة الطبّ بعد موت عمه بديع ثم عالج برقوقًا فأعجبه.

وكان يدْرى كثيرًا الألسنة ومن الأخبار فراج على الظَّاهر واختُصّ به وصار له مجلس لا يحضر فيه غيره، فباشر رئاسة الطّب بعفّةٍ ونزاهة، فلما مات [محمود] الكلستاني قرّره الظاهر في كتابة السرّ بعد أن سعى فيها بدْرُ الدِّين بن الدماميني بمالٍ كثير فلم يُقْبِل عليه الظَّاهر، وباشر [فتحُ الله] بعفَّةٍ ونزاهةٍ وقُرْبٍ من الناس وبشاشة وجدّ، وجعله الظاهرُ أحدَ أوصيائِه واستمرّ في كتابة السرّ بعده ولم يُنكَبْ إلَّا في كائنةِ ابن غراب ثم عاد.

وكانت خصاله كلها حميدة إلّا البخل والحِرْص والشّح المفرط حتى بالعارية وبسبب ذلك نُكِب، فإن يشبك لما هرب من الوقْعة التي كانتْ بينه وبيْن النَّاصر ترك أهله وعياله بمنزلٍ (٢) بالقرب منه فلم يُقْرِهم السلام ولا تَفَقَّدَهم بما قيمته الدرهم الفرْد فحقد عليه ذلك، وكان ذلك أعظم الأسباب في تمكين ابن غرابٍ من الحطِّ عليه، فلما كانت النكبة المشهورة لجمال الدين كان هو القائم بأَعبائها وعظُم أمرُه عند الناصر من يومئذٍ وصار كل مباشِر - جَلَّ أو حقر -


(١) أمامها في هامش هـ بخط البقاعي: "أخبر في الفاضل عز الدين محمد بن أحمد التكروري الكتبى أن جماعة أخبروه أن فتح الله هذا كان ذا باع طويل في الغيب حتى إنه مر يومًا في سوق الكتبيين فرأى شخصا ينسخ في كتاب وليس به مرض فتأمله وقال: هذا يموت اليوم. فكان كذلك".
(٢) في الضوء اللامع ٦/ ٥٥٦ "بمنزله".