للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جمادى الآخرة ابتدئ بحفر الأَساس وشرع في العمل، وقُرِّر الأمير ططرشادًّا على العمارة وبهاءُ الدين البرجي - الذي كان محتسبًا قبل هذا الوقت - في النظر على العمارة المذكورة، وكان صديق ططر فسعى له في ذلك فاستمرّ.

* * *

وفي أواخر ربيع الأَول قدم على المؤيّد شمس الدين بن عطاء الله الرازي المعروف بالهروى وكان مِن أَعوان تمرلنك، فأَرسله إِلى جهةٍ من جهاته فخانه فهدّده ففرّ منه إِلى بلاد الروم، والتمس من ابن قرمان أَن يجمع بينه وبيْن عالم بلادهم شمس الدين الفنارى، فامتنع ابن قرمان من ذلك وقال: "هذا رجل منسوب إلى العلم والفنارى عالمنا فلا يَسْهُل بنا أَن يغلب عالمنا ولا أَن ينكسر خاطر هذا الغريب" فأَكرمه بأَنواع من الكرامات وغير ذلك وصرفه عن بلاده، فدخل الشام وحجَّ ثم رجع إِلى القدْس فانتزع الصلاحية - بعناية نوروز - من القمنى واستمرّ بها مدرّسًا، ثم سعي عليه القمنى في دولة المستعين فعُزل واستمر القمنى ولم ينفذ ذلك لغلبة نوروز على البلاد الشامية.

فلما توجّه المؤيّد إِلى قتال نوروز لقيه الهروى فقرّره في الصلاحية، ولمّا رجع إِلى القاهرة لقيه أَيضًا فاستأْذنه أَن يحضر إِلى القاهرة فأَذن له فحضر، وخرج إِلى لقائه جماعةٌ وتعصب له كثيرٌ من مشايخ العجم، وشاع عنه أَنه يحفظ إِثنى عشر أَلف حديث، وأَنه يحفظ "صحيح مسلم" بأَسانيده، ويحفظ متون "البخارى" فاستعظم الناس ذلك، ودار القمنى على الأُمراء يلتمس أَن يسأَلوا المؤيد أَن يُحْضِر الهروى ويَعْقد له مجلسًا بالعلماءِ ليظهر له أَنه مزجيّ البضاعة في العلم، فلم يزل يسعى في ذلك إِلى أَن أَجاب لبسلطان - وكان الهرويّ قد اجتمع به - وأَحضره المولد (١) الخاص، وأَرسل إِلى القاضيَيْن البلقيني وابن مُغْلى فتكلموا بحضْرته ولم يُمْعِنُوا في ذلك (٢). وكان من جُمْلة ماسُئِل عنه


(١) في ز "الديوان".
(٢) جاء في هامش ث بخط السخاوى قوله: "وذكر قاضي القضاة العينى في تاريخه حين قدوم الهروى [خلاف] ما ذكره شيخ الإسلام هنا ونحن ناقلوه برمته، قال العينى بعد أن ذكر مجيئه: عظمه السلطان ورتب له أمورًا ولم يطب ما فعله السلطان معه على خاطر كاتب السر ناصر الدين بن البارزي ومن تبعه فإنهم [نقموا] عليه خوفًا من أن يتولى منصبا، فيحصل لهم =