للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

شرف الدين أبو البركات في دار الحديث البهائيّة فأَقام بها، ثم قدم القاهرة في أوائل الدولة الناصرية واشتغل عليه بعض الأُمراء فحصّلَ له بعض مدارس ثم نزل عنها للحاجة، فلما عمر جمال الدين مدرسته عُيّن له ووُصِف وبالغ الواصف، فاستحضره إيّاه واختص (١) به وأسكنه بيتًا قريبا منه ورتِّبَتْ له الرواتب الواسعة، ثم لمّا فتحها أسكنه في المسكن البهىّ الَّذى عُمر له وأجلسه شيخًا بها، وقرّر له معالم ورواتب خارجًا عن ذلك وهدايا وعطايا وله مراعاة وسماع كلمة، فَنُبه بعد أن كان خاملًا، وتحلّى بما ليس فيه بعد أن كان عاطلًا، وانثال عليه الطلبة لأَجْل الجاه، وكان يحضر درسه منهم أضعاف من هو مُنَزّل فيه، وأقرأ في المدرسة المذكورة "الحاوى" و "الكشاف"، ثم طال الأَمر فاقتصر على "الكشاف"، وكان ماهرًا في إقرائه إلَّا أنه بطئُ العبارة جدًّا بحيث يمضى قدر درجة حتى ينطق بقدر عشر كلمات.

وكانت له مشاركة في العلوم العقلية مع اطِّراح التكلِّف وسلامة الباطن، [وكان] ممشى فى السوق ويتفرّج في الحلق في بركة الرطلى وغيرها، وكانت له ابنة ماتت أُمها فصار يلبسها بزيّ الصبيان ويحلق شعرها ويسميها "سيدى على" وتمشى معه في الأسواق إلى أنْ راهَقَتْ، وهى التي تزوّجها الهروى فحَجَبها بعد ذلك.

وقد ذكرْتُ ما اتفق له في المجلس المعقود للهروى.

مات في العُشر الأخير من ربيع الأول وقد جاوز السبعين.

٥٢ - يوسف (٢) بن عبد الله المارديني الحنفى، قدم القاهرة ووعظ الناس بالجامع

الأزهر وحصّل كثيرًا من الكتب، مع لين الجانب والتواضع والخير والاستحضار لكثير


(١) "أشخص" في هـ.
(٢) راجع إنباء الغمر، ج ٢، ص ٣٧٧، ترجمة رقم ٤٩، وحاشية رقم ٢ هناك.