للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وبلغ كاتبَ السر عنه أنه يتوعده بالقتل وتأكد بغضه عنده فحقد عليه ودسّ على السلطان من أعلمه أنه يتمنى موته لكونه يعشق بعض حظاياه ولا يتمكن منها بسببه إلا خفية، ورتب له على ذلك إمارات وعلامات إلى أن أبغض السلطانُ ولده وأحبَّ الراحة منه، ثم رتّبوا له أنه صمّم على قتله بالسم أو غيره إن لم يمت عاجلا من المرض لما في نفسه من محبة الاستبداد، فأذن لبعض خواصه أن يعطيه ما يكون سببا لقتله من غير إسراع، فدسّوا عليه من سقاه من الماء الذي يُطْفَى به الحديد، فلما شربه أحسّ بالمغص في جوفه فعالجه الأطباء مدة، وندم السلطان على ما فرط منه فتقدم (١) إلى الأطباء أن يجتهدوا في علاجه فلازموه نصف شهر إلى أن أبَلَّ قليلا من مرضه، فركب في نصف الشهر إلى بيت عبد الباسط بشاطئ النيل ثم ركب إلى الخَرُّوبية بالجيزة فأَقام بها، وكاد أن يتعافى فدسوا إليه من سقاه ثانيًا بغير علم أَبيه فانتكس واستمر إلى آخر الشهر، فتحول إلى الحجازية ثم حُمل فى ثالث عشر جمادى الآخرة إلى القلعة فمات (٢) ليلة الجمعة خامس عشره، فاشتد جزع السلطان عليه إلَّا أنه تجلد، وأَسف الناس كافة على فقده وأكثروا الترحيم عليه، وشاع بينهم أن أباه سمَّه إلا أنهم لا يستطيعون التصريح بذلك؛ ولم يَعِشْ أبوه بعده سوى ستة أشهر تزيد أياما، كدأْب (٣) من قتل أَباه أو ابنه على الملك قبله: عادة مستقرة وطريقة مستقرأَة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وصار الذين حسّنوا له ذلك يبالغون في ذكر معائبه وينسبونه إلى الإسراف والتبذير والمجاهرة بالفسق من اللواط والزنا والخمر والتعرض لحرم أبيه وغير ذلك مما كان بريئا عن أكثره، بل يختلقون أكثر ذلك ليتسلى أبوه عن مصابه، ولقد حكى لى من شاهده في السفرة التى تجرد فيها إلى البلاد القرمانية معه ما يقضى منه العجب من ذلك (٤).


(١) وردت هذه العبارة في ز على الصورة التالية: "فقدم إلى الأطباء أن يجتهدوا في علاجة"، وفى هـ: "فقدم الأطباء بالمبالغة في علاجه".
(٢) أمامها في هامش هـ: "موت إبراهيم بن المؤيد شيخ".
(٣) أمامها في هامش هـ: "من قتل أباه أو ابنه على الملك لا يعين سوى ستة أشهر عادة مستقرة وطريقة مستقرأة".
(٤) أمامها في هامش هـ: "وقد عانى السلطان سليمان بعد قتل ابنه السلطان مصطفى على الملك أربع عشرة سنة ولكن العادة ما ندر خلافه، أو لعل قتله كان لأمر يوجبه شرعًا، وكذا الحال في قتل أبيه السلطان أبي يزيد لخروجه عن طاعته".