للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وحيدًا فقيرًا فحضر عندى وشكى إليّ حاله فبررْته، وسكن بالجامع الأَزهر مع الفقراء إلى أَن مات.

٩ - عبد الرحمن (١)، القاضي جلال الدين بن شيخ الإِسلام سراج الدين عمر ابن رسلان بن نصير بن صالح بن عبد الخالق البلقيني، وُلد في جمادى الأُولى سنة ثلاث وستين وسبعمائة وتفقَّه بأَبيه، وكان ذكيًّا جيّد الحفظ فحفظ "التدريب" وبحث في "الحاوى" ودخل مع أبيه إلى دمشق لما ولى القضاء وهو صغير، ولم نقف له في طول عمره على سماع شيء لا بمصر ولا بدمشق إلَّا على والده، ومع ذلك فكان من عجائب الدنيا في سرعة الفهم وجودة الحفظ.

وأَوّل شيء ولى توقيع الدست ثم ولى قضاء العسكر بعد موت أخيه بدر الدين، وكان شديد البأْو تياها، ومن لم يقل له "قاضي القضاة" يغضب منه، وله مع القضاة وغيرهم وقائع، فلما تحقَّق موت صدر الدين المناوى ووثوب القاضي ناصر الدين الصالحي على المنصب شقَّ عليه وسعى إلى أن ولى في رابع جمادى الآخرة سنة أربع وثماني مائة كما تقدّم، ثم سعى عليه الصالحي وعاد، ثم مات فولى الإِخنائى، ثم سعى على الإخنائي فعاد ثم تناوب معه مرارًا، وفى أواخرها استقرّت قدمه من سنة ثمان وثمانى مائة إلى أَن صُرِف (٢) بالباعوني بعد قتْل الناصر سنة خمس عشرة ثم أُعيد عن قريب من شهر واحد، واستمر


(١) أمامها في هامش ث بخط السخاوى: "وقد ذكره المؤلف أيضا في معجمه ورفع الإسر واستفيض أنه باشر القضاء بعفة زائدة إلى الغاية وامتنع عن قبول الهدية من الصديق وغيره حتى ممن له عادة بالهدية إليه مثل القضاة، وكان من محاسن الدهر، ولما مات ووضعوه على المغتسل سمعوا شخصا يقول:
يا دهر بع رتب العلا من بعده … بيع الهوان، ربحت أم لم تربح
قدم وأخر من أردت من الورى … مات الذي قد كنت منه تستحى".
وهذه العبارة واردة في الترجمة التي كتبها له السخاوى في الضوء اللامع، ج ٤ ص ١١٢.
(٢) جاء في هامش ث بخط السخاوى: "قال شيخ الإسلام قاضي القضاة البدر العيني في تاريخه في ترجمة الجلال البلقيني : وكانت عنده عفة ظاهرة ولكن لم يسلم ممن كان حوله".