للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وكان قويّ النفس كثير الحشمة والكرم، وكان أَعيان الفقهاء يترددون إليه، وهو الذي عمر الشباميتين بعد حريقهما (١) في فتنة اللنك، ثم ضعف جانبه وقوى عليه الحكام وصارت إقامته بالمجدل وقفِ الشامية وآل أمره إلى فقرٍ شديد ومات في شهر رمضان، وهو آخر من بقي من آل بيتهم.

٩ - داود بن عبد الرحمن بن داود، الشَّوْبَكِي الأَصل، المعروف بابن الكُوَيْز (٢)، علم الدين أَبو عبد الرحمن، مات في صبيحة يوم الاثنين (٣) سلخ رمضان بمنزله ببركة الرطلي بعد أن طال مرضه كما تقدم سببه في الحوادث، وكنْتُ عُدْتُه في نصف رمضان فوجْدتُه صحيح العقل والبدن لا يشكو أَلمًا، ولكن غلب عليه الوهم بحيث أَنه أَثناء كلامه كان يجزم بأنه ميت من تلك الضعفة، وكانت أُمور المملكة في طول مرضه لا تصدر إلا عن رأيه وتدبيره، وكان يجتمع بالسلطان خِلوةً ويذكر أنه إذا ركب يتأَذَّى بالركوب، وكذلك إن دخل الحمام أَو جامع.

وكان أَبوه من أَهل الشَّوْبَك ثم سكن الكرْك وهو نصرانى يتعانى الدَّيْونَة واسمه جرجس، فلما كانت سنة سبع وستين ضيّق يَلبُغَا على جميع النصارى الملكية خصوصا الشوابكة واتِهمُوا بَأنهم مَالأُوا الإفرنج حتى هجموا على الإسكندرية فأسلم هو وكثير منهم، وتسمّى "عبد الرحمن"، وخدَم نائبَ الكرك وتقرّب منه حتى قرره في كتابة السّر، ثم تحوّل إلى حلب فخدم كَمشُبغَا الكبير وقدم معه القاهرة صاحبَ ديوانه، ورأَيتُه شيخًا طوالًا كبير اللحية.


(١) يقصد بذلك البرانية والجوانية، فقد جاء في الدارس في تاريخ المدارس ١/ ٣٠٠ أن الشامية البرانية عمرت مرة أخرى لما احترقت في فتنة الناصر.
(٢) سماء الطباخ في إعلام النبلاء ٥/ ١٧٨ "بالكوثر" وهو خطأ، والظاهر أنه اعتمد على النسخة الهندية الضوء اللامع، وقد تنبه لذلك ناشر الضوء إذ جاء ج ٣ ص ٢٦٤ حاشية رقم ١ أنه سمى بالكوثر، في الهندية خطأ.
(٣) الوارد في الضوء اللامع ٣/ ٧٩٧ "أول يوم من رمضان"، وأشار إلى التاريخ الذي أورده ابن حجر في المتن أعلاه، على أن الطباخ: إعلام النبلاء ٥/ ١٧٨ يتفق مع نسختنا هذه في أن الوفاة كانت في سلخ الشهر.