للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونشأَ ابنه علم الدين هذا ترفًا صلفًا مسعود الحركات، فصاهر ابنَ أَبي الفرج وكان أَخوه خليل (١) أَسنَّ منه، ثم اتَّصلا بشيخ نائب الشام قبل سلطنته فخدماه (٢) وهو ينوب في طرابلس ثم في دمشق ثم في حلب، ثم قدما معه القاهرة فعظم شأنهما وكبر قدرهما؛ وباشر علمُ الدين نظرَ الجيش بطرابلس ثم بدمشق، وامتُحن هو وأَخوه في وقعة صَرخد وصودرا، ثم لمّا تسلطن المؤيّد تقرّر في نظر الجيش، ثم اختص بالظاهر ططر وتقرّر عنده كاتبَ السّر في أَيامه، وصولح ولده بعد موته على أَربعين أَلف دينار؛ وكان يتديّن ويلازم الصلاة ويصوم تطوّعًا ويتعفف عن الفواحش ويلازم مُجَالَسَةَ أَهل الخير مع طول الصمت فكان يستر (٣) عواره بذلك. إلّا أَنه لما ولى كتابة السّرّ افتضح للكنةٍ فيه وعدم فصاحته، وضُبِطت عليه أَلفاظ عامية، ومع ذلك كان وقاره وحسن تدبيره وجودة رأيه تستر عواره، واستقر بعده في كتابة السر قريبه جمال الدين يوسف وكان قد قدم في عهد المؤيّد وقرّره في نظر الجيش في طرابلس، فاتفق أَنَّ الأَشرف لمّا ولى نيابتها في أَيام المؤيّد تقرّب إليه وخدمه فصارت له به معرفة، فلمّا مات علم الدين قرّره في وظيفته فباشرها قليلًا بسكون وعدم شَرَهٍ وتَلَطُّفٍ بمن يقصده وحلاوة لسانه، ثم صُرِف بعد قليل كما سيأتي ذكره في التي بعدها.

ومن فعلاته (٤) المستحسنة أَنه ما كان بَشْقَحب صحبةَ الظاهر راجعًا إلى مصر استأذنه في زيارة القدس فتوجّه من طريق نابلس فشكا إليه أَهل القدس والخليل ما أَضر بهم من أَمرِ الجبايةِ وكانت لنائب القدس، وتحصّل منها لفلَّاحي القرى إجحاف شديد، وتحصّل للنائب ألوف دنانير ولمن يتولّى استخراج ذلك ضعفه، فلما رجع استأْذن السلطانَ في إبطال هذه المظلمة فأَذن له فكتب بها مناشير فقرئت بالقدس والخليل، وكثر الدعاء له بسبب ذلك.


(١) راجع ترجمته في الضوء اللامع ٣/ ٧٥١.
(٢) يعنى بذلك الأخوين.
(٣) فسر الضوء ٣/ ٧٩٧ العيب بأنه كانت فيه لكنة وعدم فصاحة، كما أنه رأى مع بعضهم "التنبيه في الفقه"، فقال: اسم هذا الكتاب عجيب، البسة في الفقه".
(٤) أمامها في هامش هـ بقلم الناسخ "أي صاحب الترجمة".