للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ووقع الموت في السودان بالقرافة إلى أن مات منهم نحو ثلاثة آلاف، وعزّ وجودُ حمَّالى الموتى وغُسَّالهم ومن يحضر القبور حتى عملوا حفائر كبارًا كانوا يُلْقُون فيها الأموات، وسُرق كثير من الأكفان ونَبَشَت الكلاب كثيرا فأكلتهم من أطراف الأموات، ووصل في الكثرة حتى شَاهَدتُ النعوش من مصلَّى المؤمنى إلى باب القرافة كأنها الرخم البيض تحوم على القتلى، وأما الشوارع فكانت فيها كالقطارات يتلو بعضها بعضا.

* * *

وفي جمادى الأولى وعك يوسف ولد السلطان فتصدّق عنه بوزنه فضة.

وفي نصف جمادى الآخرة جمع الشريفُ كاتب السر أربعين شريفا اسم كل منهم "محمد" وفرَّق فيهم مالًا، فقرأوا بعد صلاة الجمعة بالجامع الأزهر ما تيسر من القرآن، فلما أَن قَرُبَ العصر قاموا فدعوا وضجوا وكبّر الناس في ذلك إلى أن صعد الأربعون إلى السطح فأذَّنوا العصر جميعا وانقضوا وكان بعض العجم قال للشريف: "إن هذا يرفع الطاعون" ففعل ذلك فما ازداد الطاعون إلَّا كثرة حتى دخل رجب، فلما دخل رجب تناقص.

قرأتُ بخط قاضي الحنابلة محب الدين: "صحَّ لي أن شخصا يقال له على الحريري كان له أربعة مراكب فيها مائة نفر وعشرون نفرًا ما تواكلهم بالطاعون إلا واحدًا"، ولما اشتد الأمر بالطاعون أمر السلطان استفتاء العلماء عن نازلة الطاعون: "هل يُشْرَع الاجتماع للدعاء برفعه؟ أو يشرع القنوت له في الصلوات؟ وما الذي وقع للعلماء في الزمان الماضي؟ " فكتبوا الأجوبة وتشعّبَتْ آراؤهم، وتُحُصّل منها على أنه يشرع الدعاء والتضرع والتوبة، وتُقَدّم قبل ذلك التوبة والخروج من المظالم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وأنهم لا يستحضرون عن أحد من السلف أنهم اجتمعوا لذلك، إلا أن الاجتماع أرجيء للإجابة، وأجاب الشافعي بجواز القنوت لأنه نازلة، وقد صرّح الشافعية بمشروعية القنوت في النوازل، وأجاب الحنفى والمالكي بالمنع، فأجاب الحنبلي بأن عندهم روايتين ومن جَوَّزه وخصّه بالإمام الأعظم في غير يوم الجمعة، ثم طلب القضاة والعلماء إلى حضرة السلطان