فقُرئت الفتاوى وفسّرها له محب الدين بن الأُقْصُرائي فأجاب:"أنا أتابع الصّحابة والسلف الصالح ولا أخرج، بل كل واحد يبتهل إلى الله تعالى في سره، ثم سألهم عن المراد بالمظالم التي كتبوا في الفتاوى أنهم يخرجون منها، فذكروا له أشياء مجملة فقال: "مهما تجدد بعد الظاهر برقوق أنا أزيله" فقال له الشافعي: "قد تجدد في هذه السنة ثلاث مظالم: التشديد على التجار الكارمية في بَيْع البهار للسلطان وإلا مُنعوا من التجارة فيه، والتّشديد على الباعة في طرح النطرون، والتّحكير على القصب أن لا يُزْرع إلا في بلاد السلطان" فلم يتحصل من الجواب عن ذلك كبير أمر.
وأمر السلطان القضاة والأمراء بأن يأمروا الناس بالتوبة والإقلاع عن المعاصي والإكثار من الطاعات ونحو ذلك؛ ونودى بالقاهرة بمنع النساء من الخروج إلى التُّرَب وتُوُعِّد المكارى بالشنق والمرأة بالتغريق، وانصرفوا على ذلك. ففى الحال دخل إليه بعض خدمه فأخبره أن ابنه الكبير محمد طعن.
وذكر القاضي زين الدين التَّفَهْنى أنه رآى في النوم حسام الدين دِرْعَان الخادم بالشيخونية - وكان من جملة من مات في هذه السنة بالطاعون - فسأله عن حاله فقال: "الجنة مفتحة للمسلمين! "، سمعْتُ ذلك منه، وكان حسام الدين رجلًا جيدًا كثير النفع للطلبة بالشيخونية منذ أقام بها وباشر الخدمة بها مباشرة حسنة.
وفيها في جمادى الآخرة أمر السلطان القضاة والحجاب وغيرهم أن لا يحبسوا أحدا على دين، فاستمر ذلك إلى شوال منها.
وحكى أبو بكر بن نقيب الأشراف - وكان باشر بعد موت أخيه شهاب الدين أمور كتابة السر قبل أن يلبس الخلعة - أن السلطان ورد عليه كتابٌ فلم يجد من يناوله إياه حتى استُدْعى مملوكٌ من بعض الطباق.
* * *
وفي ثامن عشر شعبان بلغ السلطان أن كمال الدين بن الهمام عزل نفسه عن مشيخة مدرسته الأشرفية، فسأل عن السبب في ذلك فأخبر أن وظيفةً شغرت عن صوفي فعين فيها