للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٨ - عبد الرحمن بن على بن عبد الرحمن بن على بن هاشم التَّفَهْني القاضي زين الدين الحنفى، ولد سنة بضع (١) وستين، وسألتُ أخاه شمس الدين -أحد من ينوب بدمياط في الحكم عن النائب بها -عن مولده فذكر أنَّه وُلد سنة ٤٣ وأنَّه أَسَن من القاضي زين الدين بعشرين سنة، ولستُ أرتاب في مجازفته (٢) في كل ذلك.

ومات أبوه وهو صغير فانتقل إلى القاهرة وهو شاب وتنزل في مكتب اليتامى بمدرسة صرغتمش، ثم ترقَّى إلى أن صار عريفًا به وتنزَّل فى الطلبة هناك، ولازم الاشتغال، ودارَ على الشيوخ فمهر فى الفقه والعربية والمعانى، وجاد خطّه وشهر اسمه، وخالط الأتراك وصحب بدر الدين محمود الكُلُسْتَانى -كاتب السر- فاشتهر ذكره، وناب في الحكم عن الطرابلسي، ثم عن ابن العديم كمال الدين، ونوَّه به كمالُ الدين عِنْد الأكابر، وكان قد تقرر فى طلبة الشَّيخونيَّة وولى كمال الدين مشيختها فصار من أفاضلهم (٣)، وولى تدريس الصرغتمشية بعناية ابن العديم بعد أن تنازع فيها هو والشيخ شرف الدين التبَّاني وحضرها التباني ثم انتزعت منه.

وتزوج فاطمة بنت شهاب الدين المحلّى كبير التجار بمصر فعظُم قدره، وسعى في قضاء الحنفية بعد موت ناصر الدين بن العديم وراج أمره، ثم لم يتم ذلك وولى شمس الدين ابن الدَّيري، ثم لما قَرّر المؤيدُ الديرىَّ فى مشيخة المؤيدية فوّض إليه (٤) قضاء الحنفية في ذي القعدة سنة اثنتين وعشرين فباشرها مباشرة حسنة.

وكان حسَن العشرة، كثير العصبية لأصحابه، عارفًا بأُمور الدنيا ومخالطة أهلها، على أنَّه يقعُ منه في بعض الأُمور لجاج شديدٌ يُعاب به ولا يستطيع أن يتركه، وصُرف عن القضاء في سنة تسع وعشرين بالعَيْنِي، ثم أُعيد في سنة ثلاث وثلاثين، ثم صُرِف قبل موته في جمادى الآخرة ومات فى تاسع (٥) شوال، وكان قد انتهت إليه رئاسة أهل


(١) ذكر الضوء اللامع ٤/ ٢٨٥ أنه ولد سنة ٧٦٤ هـ.
(٢) أمامها في هامش بخط البقاعي: "تقدم قريبا في الحوادث أن قاضي القضاة شمس الدين البساطي شهد بمعرفته سنة ثمانين بالغًا، فانتفت المجازفة".
(٣) أشار السخاوي في الضوء اللامع ٤/ ٢٨٥ إلى أن صاحب الترجمة صار من أفاضل طلبة الشيخونية وقت أن كان شيخها الكمال بن العديم يجلس ثانى من يجلس عن يمينه في الدرس والتصوف.
(٤) الضمير هنا عائد على التفهني.
(٥) في هامش "بخط البقاعي: "كان ذلك ليلة الأحد منه".