فرفع الرومي إلى السلطان أن الرسل الذين طلبوه إلى الشّرع أنزلوه عن فرسه وجرّوه على الأرض وقطعوا فرجيته، وأحضروه وحوله نحو من مائتي نفرٍ من العامة يصيحون عليه:"يا رافض، كفرت! " فأمر بإحضارهم فأحضر منهم اثنان فضُربا بحضرته ثم أطْلِقا، وانفصل الأمر على ذلك، وذلك في يوم الأربعاء سابع عشريه.
وافتتح القاضي علم الدين البلقيني بالسّعي فدَس للحمصي الذي صرِف عن قضاء الشام وحضر إلى القاهرة يسعى في العود، فكتب قصةً يطلب فيها تولّيه قضاء الشافعية بمصر وكتابة السرّ بها، أو نظر الجيش بالشام، فقال قائل:"لأي معنى عُزِل عن الشام؟ " فقال بعض من رتب في القول أو وُعد بهذا العدل الكبير فغيره ببذل ذلك، واستقر وهو أحقّ منه، وهو كان صاحب الوظيفة، فأصغى السلطان لذلك ثم بدا له فترك القول في ذلك حتى انسلخ شهر رمضان.
وفي أول شوال جدّد الساعي للقاضي علم الدين [البُلقيني] السؤال، فأمر السلطان بعض الخاصكية أن يتكلّم مع كاتبه (١) في بذْل شيءٍ فامتنع، فلما كان في يوم الخميس خامسه صُرِف كاتبُه عن القضاء واستقرّ القاضي علم الدين البلقيني.
وفي يوم السبت السابع منه رُسِم بعقد مجلسٍ بعلماء الحنفيّة بسبب شرط الشّيخونية، وأحضرت أربعةُ كتب وهي: الهداية واليزدوي والمفتاح والكشاف، وذَكَر السلطان للجماعة أن بعض الفقهاء قال له "إنّه لم يبْق أحد يعرف يقرر هذه الكتب" فوقع بينهم الكلام وبادر القاضي الشافعي فقال: "يا مولانا السلطان، هؤلاء الجماعة هم أعيان العلماء، وليس في الدّنيا مثلهم، وما منهم إلّا مَن يقرّر هذه الكتب، فمن ادّعى خلاف ذلك فليحضر حتى نسمع كلامه ونردّه عليه"، فأعجب السلطان ذلك وانفصل المجلس على أن القائل هو الحنفي، فلمّا لم يجب عن ذلك كلّمه وظهر منه الرجوع عن ذلك، فظهر للسلطان أنه تكلّم بغرض لأجل الروميّ، ففصل الأمر وانفضّ المجلس.
(١) يقصد ابن حجر بذلك نفسه، ونستدل من هذه العبارة الموجزة على ما كان هو عليه من طبيعة تمنعه من أن يقضي أمرا على غير وجه الحق مما أدى إلى عزله عن القضاء، وهو أمر تكرر حدوثه مما يوضحه كتاب السخاوي عنه وهو "الجواهر والدرر في ترجمة الإسلام ابن حجر" الذي أصدر الجزء الأول منه صديقنا العالم الأستاذ المحقق حامد عبد المجيد، وهو الآن بصدد إصدار جزئه الثاني.