للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفي أول يوم منه استقرّ بهاء الدين بن حجّي في قضاء الشام مضافًا (١) لكتابة السرّ، ولبس الخلعة بذلك، وسافر يوم الجمعة رابع عشري الشهر المذكور.

وفي الثامن منه طُلِب القاضي بهاءُ الدين ابنُ القاضي عز الدين عبد العزيز بن عز الدين محمد بن البُلقيني إلى حضرة السلطان بسبب جاريةٍ أفسدها عَبْدُه، فغابت عن سيدّتها قدر سبعة أيّامٍ ثم وجَدَتْها سيدتها فتسلمتها بشاهدين منه، ثم هرب العبد فاتهم بهاء الدين سيِّدةَ الجارية، فاتّصل الأمر بالدويدار الصغير، فطلبه ليوفقّ بينهما فتعاظم، فأوصل الأمر للسلطان ونسب المذكور إلى أمور معضلة، وأنه هو الذي أفسد الجارية المذكورة، إلى غير ذلك من القبائح المنكرة، فلما وصل أمَرَ بتجريده وضربه بالمقارع فجُرّد، فشفع فيه ناظر الجيش، فبُطح وضُربَ نحوًا من مائة عصًا، وسُلم للدويدار الكبير، وأمر أن يصادره على مال فتسلّمه ونقله إلى منزله وأهانه، واستكتبه خطه بثلاثة آلاف دينار، ثم شُفع فيه إلى أن انحطّت إلى ألف واحدة، وأنعم بها على الدويدار.

وكان ممّا أهين به أنه أُرْكِب على حمار، وفى عنقه باشه (٢) وهو مكبوب على وجهه إلى بيت الدويدار، وكانت كائنة شنيعة، وكثرت القالة فيه ذلك.

وبلغني أنّه مع هذه الشدّة كان فى بأو عظيم ورقاعة مفرطة، وأصرّ على عدم الإعطاء، وكرّر تهديده، فلما طال عليه ذلك أذعن لبذل الألف دينار فبذلها وبذل معها أشياء أخرى. وخلص بعد سبعة أيام، وعُزل من نيابة الحكم، وكنتُ كلّمتُ السلطانَ في أمره بعد صلاة الجمعة فقال: "والله لولا أنت لكنت حرقْتُه بالنار لما صنع (٣) " وكأنهم قرروا عنده أنه كان


(١) ذكر ابن طولون فى قضاة دمشق، ص ١٥٨ نقلا عن الأسدي أنه كان أيضا خطيب الجامع وشيخ الشيوخ وكاتب السر وأنه ولي القضاء مسئولا في ذلك بعد ما امتنع وهو بمصر في مستهل ذى القعدة سنة ٨٤٢، ولكنه يشير إلى أن دخوله دمشق كان ثاني جمادى الآخرة سنة ٨٤٣.
(٢) الباشة قيد كالجنزير يوضع في اليدين أو في الرقبة كما هنا، وانظر في أصل هذه الكلمة ما جاء عنها في الجزء الأول من قاموس Dozy : Supp . aux Dicionnaires،
(٣) عرفه السلطان -كما يقول أبو المحاسن- قبل سلطنته فكان ينقل إليه أخباره السيئة أولا فأولا وما هو عليه من البخل المفرط والتكبر الذي لايصلح للأدب مع عدم موجب من موجباته وعدم التخلق بشيء من أخلاق الرئاسة ومكارم الأخلاق والكرم في الناس وتناول الرشوة إلى غير ذلك من الدنايا مع ادعاء المعالي، فلما وقعت قصة الجارية كانت مذاكرته له بتلك الأمور فنشأ عنها ما نشأ من تشديده في اهانته.