وربما قيل إنه كان يمكن الاكتفاء بالنسخة التي كتبها ابن حجر ذاته بخط يده، وهى نسخة الظاهرية (ظ)، لكن تبيّن لي أنها لا تعدو أن تكون "مسودة"، أولى كتبها لنفسه، هذا بالإضافة إلى الإشارات القلمية التي دوّنها ابن حجر مما يشير إلى ذلك، وأذكر على سبيل المثال أنه في ترجمة رقم ٤ في وفيات سنة ٧٨٦ هـ كتب "يحوَّل من سنة ٧٨٥"، ويلاحظ أيضا في وفيات هذه السنة كما جاءت في نسخة ظ - أنها لم ترتب أبجديا فترجمة رقم ١ سنة ٧٨٦ جاءت في ظ بعد رقم ١٠، وقد لاحظ هو نفسه ذلك فكتب أمامها "ترتب"، مما يُفهم منه في يُسرٍ أنه جعلها مسودّةٌ، وقد اعتزم - لو أن الوقت أَسعفه والعمرَ مُدَّ له أن يجعلها في نسق كالذي اصطنعه في الدرر الكامنة، ثم سار على نهجه فيه تلميذه السخاوى في الضوء اللامع من حيث الترتيب الأبجدى في اسم الشخص ثم أبيه ثم جده وهكذا دواليك حيث اقتضَت الضرورة وألحَّت أن "أُرتب" التراجم حسب حروف المعجم حين يُعْوِز هذا الترتيب.
وحين ترجم لشاه شجاع (وهى الترجمة رقم ١٤ لوفيات سنة ٧٨٧ ص ٣٠٦ من هذا الجزء) جاء في ظ: "شاه شجاع صاحب شيراز وبلاد فارس، كان عالمًا فاضلًا محبًّا للعلماء والعلم، كتب الخط الفائق وشارك في العلم"، ثم أضاف في ورقة منفصلة (ورقة ٦٩ أ من نسخة ظ) الترجمة الواردة هنا داخل الإنباء رقم ١٤ وذلك مع شيءٍ من التغيير في بعض النسخ الأخرى.
ومما يدلّ على أن نسخة ظ هي المسودّة أنه كتب في ورقة ٦٧ ا منها في الصلب:"شرف الدين الأنطالى باللام، كان من الصوفية البسطامية"، ثم عاد في هامش نفس الصفحة فكتب الترجمة الواردة في المتن فيما بعد رقم ٢٨ ص ٣٠٠ هنا باسم "محمود"، وهي لنفس المترجم.
وفى أثناء دراستي للدكتوراه في جامعة لندن، أشار عليّ الأستاذ الدكتور برنارد لويس أن أُلحِق الرسالة الأَصليّة بنشر قسم من "إنباء الغمر"، وشاركه هذه الإشارة الأستاذان سير هاملتون جب، وهارولد بووين ثم زكَّى هذه الفكرة المستشرق الإيطالي الأستاذ ديلافيد، الذي بذل لي من وقته وجهده الكثير أثناءَ وجودى برومة فيسّر لي مكتبته الخاصة ومكتبة الفاتيكان، فاستجبتُ لهم جميعًا مرحبًا، وأقبلتُ على العمل إقبالًا ظلّ ملازمى منذ سنة ١٩٥٤ حتى الآن، فوثَّق معرفتي بابن حجر وحياته وأسلوبه وأقام وشيجةَ صداقةٍ عندى نحوه، ولقد وجدتني مضطرا - في لندن - إلى استعمال نسخة ظ فتفضلت جامعة عين شمس فبعثَت إليّ مشكورةً بصورةٍ كاملة منها هي اليوم في مكتبة كلية الآداب بها، ولقد