للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وفيها جاءَ رجل جندى إلى الصالحية فنزل عن فرسه وسأَل عن القاضي المالكي وقال: "أُريد أَن تطهرني فإلى مرتد عن الإسلام"، فأُمْسِك وأُحضر إلى جمال الدين المحتسب فضربه وسجنه وسأَل الأَطباء إن كان مختل العقل أَو لا، فيقال إنهم شهدوا أَنه مجنون فسُجن بالمرستان.

* * *

وفيها في أَوائل رجب شاع بين الناس أَن شخصا يتكلم من وراء حائط.، فافتتن الناس به واستمر ذلك في رجب وشعبان، واعتقدوا أَن المتكلم من الجن أَو الملائكة، وقال قائلهم "يا رب سلِّم، الحيطة يِتْكَلّم! ". وقال ابن العطّار:

يا ناطقًا منْ جدارٍ وهْو ليْسَ يُرَى … إظهر، وإلا فهذا الفِعْلُ فتَّانْ

لمْ (١) يسمَع الناس للمحِيطانِ أَلْسِنَةً … وإنَّما قيل للحيطانِ آذانُ

ثم تتبع جمالُ الدين المحتسبُ (٢) القصة وبحث عن القضية إلى أَن وقف على حقيقتها، فتوجه أولًا إلى البيت فسمع الكلام من الجدار، فرسم على الجندى جار المكان وضرب غلامه وقرره، وأَمر بتخريب الجدار فخرب.

ثم غادوا بعد ذلك وسمعوا الكلام على العادة، فحضر مرة أُخرى وأَمر مَن يخاطب المتكلم فقال: "هذا الذي تفعله فتنة للناس، فإلى متى؟ "، قال "ما بقى بعد هذا اليوم شيء"، فمضى.

ثم بلغه أَنه عاد وقوى الظن أَن القضية مفتعلة، فلم يزل يبحث حتى عرف باطن الأَمر، وهو أَنه وجد شخصا يقال له الشيخ ركن الدين عمر مع آخر يقال له "أَحمد الفيشي" قد تواطأ على ذلك، وصارا يلقّنان زوج أَحمد الفيشي ما تتكلم به من وراء الحائط، من قرعة، فيصير الصوت مستغربا لا يشبه صوت الآدميين، فأَنهى الأَمرَ إلى برقوق فسمّرهم بعد ضرب الرجلين بالمقارع والمرأَة تحت رجليها، وحصل لكثير من الناس عليهم أَلم عظيم، وخُلع على جمال الدين المحتسب خلعةً بسبب ذلك.

وقيل إن أَصل ذلك أَن المرأَة كانت تغار من زوجها، فرتّبت مع الشيخ عمر أَن يتكلم لها من وراء الحائط. من القرعة وينهاه عن أَذاها، فثقب الحائط إلى أَن لم يصر منها سوى قشرة


(١) رواية ز "وما سمعنا وللحيطان السنة".
(٢) وكان إذ ذاك محمود القيصري العجمي.