لما انهزم في وقعة شقحب سار إلى حلب في البرية، فوصل في ثامن عشر المحرم فدخلها مختفياً، ثم التفت عليه جماعة من الظاهرية فحاصروا القلعة وقد قبضوا على ولد نائبها حسين ابن الفقيه فهددوه بقتل ولده ففتح لهم الباب، فدخلوها وأرسلوا إلى كمشبغا فملكها، فحاصره النائب من قبل منطاش وهو تمنتمر وعاونه أهل بانقوسا، فأحرقوا باب القلعة والجسر الواصل، ونقبوا من ثلاثة مواضع، فرمى عليهم كمشبغا بالمكاحل وصار يتخطفهم بالكلاليب، فدام ذلك نحو شهرين أو أكثر، فلما سمع تمنتمر هرب منطاش من دمشق خاف على نفسه، فهرب، فبلغ ذلك كمشبغا فعمر الجسر وخرج فقاتل أهل بانقوسا، وعمر أسوار حلب أحسن عمارة في أسرع وقت، وكانت من وقعة قازان خراباً. فلما انتصر كمشبغا عليهم قتل غالب أهلها، وهم زيادة على أربعة آلاف نفس، وقتل كبيرهم أحمد بن الحرامي، وخربها إلى أن جعلها دكا، وقتل قاضي حلب وغيره صبراً، كما سيأتي في الوفيات، فلما بلغ ذلك كله السلطان أعجبه، وأرسل إلى كمشبغا يطلب منه الحضور إلى القاهرة فحضر، وكان ما سنذكره.
وفي العشرين من رجب كان شاع أن بطا يريد أن يثير الفتنة فحل سيفه بحضرة السلطان في القصر وعمل في عنقه منديلاً واستسلم للموت، فشكر الظاهر فعله وبرأه مما نقل عنه، وجمع الأمراء وحلفهم وحلف المماليك وطيب خواطرهم وأحضر مملوكاً يقال إنه الذي أثار الفتنة فضربه وسجنه.
وفي رجب خرج يلبغا الناصري والطنبغا الجوباني بالعساكر من قبل الظاهر وقد قرر في نيابة دمشق الطنبغا الجوباني وقرادمرداش في نيابة طرابلس ومأموراً في نيابة حماة