للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم نازل تمرلنك الشامَ وراسل السلطانَ أَن يُطلق له أَطلمش قريبه على أَن يطلق جميع من عنده من الأَسارى ويرحلَ من البلاد، فامتنعوا من ذلك وظنُّوا أَن ذلك لعجزه عنهم، فكرر [تمرلنك] الطلب مرارًا فأَصَرُّوا، ثم وقعت الحرب بينهم واقتتلوا مرارًا لكن لم تقع بينهم وقعةٌ جامعةٌ بل مناوشة.

فلما كان في الثاني عشر من الشهر المذكور وقع الاختلاف بين أُمراء العسكر المصري فخاف بعضهم من بعض فاختفى، فظنَ (١) من لم يختف أَن الذي اختفى توجّه إِلى القاهرة ليملكها، فأَخذوا السلطان وتوجّهوا به إِلى نحو صفد ثم إِلى غزة وتركوا الناس فوضى، ووصل السلطانُ إِلى مصر في خامس جمادى الآخرة وصُحْبَتهُ الخليفة وأَكثرُ الأُمراء وهم في غايةٍ من الذل، ليس معهم خيلٌ ولا جمالٌ ولا قماشٌ ولاعُدة، وصار الجيش - بعد هرب السلطان من دمشق - يخرجون من دمشق إِلى جهة مصر، فيسلبهم العشير أَثوابهم، وربما قتلوا بعضهم، ومنهم من ركب البحرَ الملح حتى وصل إِلى القاهرة في أَسوأ حال.

ولما تحققّ تمرلنك فرارَ العسكر أَمَر عسكره باتِّباعهم، فصاروا يلتقطون منهم مَن تخلَّف، فأَغْلق أَهل دمشق أَبوابها وركبوا أَسوارها وتراموا مع اللنكية، فقُتل منهم جماعة، فأَرسل تمرلنك يطلب من أَهل البلد رجلا عاقلًا يتكلم معه في أَمر الصلح، فأَرسلوا إليه القاضي برهان (٢) الدين بن الشيخ شمس الدين بن مفلح، فرجع وأَخبر أَنَّه تلطَّف معه في القول وسأَله في الصلح فأَجابه، فأَطاعه كثيرٌ من الناس وأَبَي كثير منهم، فأَصبحوا في يوم السبت نصف جمادى الآخر وقد غَلب رأْىَ من أَراد الصلح، وأَخرجوا إِلى تمرلنك الضيافة، جبوها من مياسير الناس، فكتب لهم أَمانا قرئ على المنبر (٣)، يتضمنّ أَنهم آمنون على أَنفسهم وأَهاليهم وفتح الباب الصغير، واستحفظ عليه بعض أُمراء تمولنك لئلَّا ينهب التتارُ البلد.


(١) في ك، ز، هـ "فظن من أقام".
(٢) في ز "شمس الدين" لكن راجع النجوم الزاهرة ١٢/ ٢٣٩، وهو إبراهيم بن محمد بن مفلح، راجع الضوء اللامع ج ١ ص ١٦٧ - ١٦٨.
(٣) أمامها في هامش ز "أَخذ الأمير تيمور لدمشق وما فعل بأهليهم".