للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هنا نعرض لمسأَلةٍ أخرى هي أصله، وقد أشار إليها في غير وقفةٍ طويلةٍ جماعةٌ من المؤرخين في عصره، وأول هؤلاءِ أبو المحاسن يوسف بن تغري بردي صاحب النجوم الزاهرة في معجم تراجمه "المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي"، فذهب إلى القول بأَن أُسرة ابن حجر قدمت أصلًا من بلاد الجريد على حدود قابس في الجزائر: وأشار إلى ذلك في قوله (١): "وابن حجرٍ نسبة إلى آل حجر، تسكن الجنوب الآخر على بلاد الجريد، وأَرضهم قابس"، ولم يجهد أبو المحاسن نفسه في تبيان المصدر الذي اعتمد عليه في تقدير هذا النسب، وإنّ ما ذهب إليه صاحب "المنهل" لينطوى على خطأ تاريخي ضخم، إذ ليس في سلسلة نسب ابن حجر - سواءٌ التي ذكرها هو نفسه أَو حفيده (٢) أو غيرهما من ثقات المؤرخين - ما يفصح عن الإشارة إلى مثل هذا الموطن لأَحدٍ من أَسلافه، وليس في ثبته اسم بربري، وسكت عن هذه الإشارة العيني في "عقد الجمان"، والسخاوى" في الضوء اللامع"، والسيوطي في "نظم العقيان"، وظلّت مطوية حتى قُيّض لها أن تُبعث في القرن الماضي على يد المستشرق الفرنسي كاتميرر (٣) الذي أرجع ابنَ حجر إلى قبيلة عربية سكنت منطقة بلاد الجريد، وليس من شك في أن كاترمير كان ناظرًا في بعض هذه النسبة إلى ما قاله ابن تغرى بردى، على أنه من الملحوظ أن كُلًّا من أبى المحاسن ثم كاترمير من بعده لم يحاول بيان العوامل التي أَدّت بالقبيلة التي نَمَيَا إليها على زعمهما ابن حجر للمجئ إلى بلاد المغرب، ولم يشيرا إلى العصر الذي نزحت فيه إلى تلك المنطقة، وهل جاءَتها من القبائل العربية التي كانت تعيش في مصر أم هاجرت إليها من بلاد الشام أو العراق أَو بلاد العرب ذاتها، وكل ما يعتدٌ به كلاهما هو كلمة "حجر".

وإذ ساق كاترمير هذا الخبر - بناءً على رواية المنهل - فإننا بمناقشة هذه الرواية يتجلّى لنا خطؤها، وحسبنا أن نقول إن أبا المحاسن كان حجةً في أنساب الترك وليس كذلك في أنساب العرب. إذ لم يتوفر له حظ كبير فيها وليس بذي القِدح المعلى في هذا الميدان، ومرجع هذا الخطإ التاريخي عند أَبى المحاسن هو خلطه بين قبائل "حَجَر" و "حُجر" و ""حَجر"،


(١) أبو المحاسن: المنهل الصافي، مخطوطة باريس، ورقة ٨٩ ب.
(٢) يوسف بن شاهين: النجوم الزاهرة بتلخيص قضاة مصر والقاهرة، مخطوطة باريس، رقم ٢١٥٢، ورقة ١٨ ب.
(٣) Quatremére: Histoire de Soultans Mamlouks، t. I، pt. ٢، P. ٢١٩ ..

<<  <  ج: ص:  >  >>