وكنت رأيت في هذه السنة أنني دخلت مدرسة وهو يصلي الظهر فأحس بداخل فتمادى في الركوع فأدركت معه صلاة الظهر، فعبرتها عليه فقال لي يحصل لك ظهور كثير، قلت: وبقية المنام أنك تأخرت لي أدركتك فأخذت عنك وأذنت لي، فأقر ذلك وكان الأمر كذلك، وكانت آلة الاجتهاد في الشيخ كاملة إلا أن غيره في معرفة الحديث أشهر وفي تحرير الأدلة أمهر، وكان عظيم المروءة جميل المودّة كثير الاحتمال مهيباً مع كثرة المباسطة لأصحابه والشفقة عليهم والتنويه بذكرهم، وله نظم كثير شائع نازل الطبقة جداً، وأقبل على عمل المواعيد بأخرة فكان يحصل له فيها خشوع وخضوع، قال ابن حجّي: كان أحفظ الناس لمذهب الشافعي واشتهر بذلك، وطبقة شيوخه موجودون، قدم علينا دمشق قاضياً وهو كهل فبهر الناس بحفظه وحسن عبارته وجودة معرفته، وخضع له الشيوخ في ذلك الوقت واعترفوا بفضله، ثم رجع وتصدّى للفتيا فكان معول الناس عليه في ذلك وكثرت طلبته فنفعوا وأفتوا ودرسوا وصاروا شيوخ بلادهم وهو حيّ. قال: وله اختيارات في بعضها نظر، وله نظم وسط وتصانيف كثيرة لم تتم، يبتدئ كتاباً فيصنف منه قطعة ثم يتركه وقلمه لا يشبه لسانه، مات في عاشر ذي القعدة وكثر أسف الناس عليه، وبلغني وفاته وأنا مع الحجيج بعرفة فعملت فيه مرثية تزيد على مائة بيت وهي مشهورة، وعاش إحدى وثمانين سنة وربع سنة، رحمه الله تعالى.
عميد بن عبد الله الخراساني الحنفي قاضي تمرلنك مات بعد رجوعه من الروم في هذه السنة.