للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشمس الدين بن القمّاح وابن عبد الهادى والميدومى وغيرهم؛ وأَجاز له المزى والذهبي والجزرى وابن نباتة وآخرون. وأَخذ النحو عن ابن حيان وأَذن له في إقرائه وأَطراه فيما كتبه له. وأَخذ الأُصول عن الأَصبهاني، ولازم ابن عقيل وتزوّج بنته سنة اثنتين وخمسين، وانتهت إليه الرئاسة في الفقه والمشاركةُ في غيره حتى كان لا يجتمع به أَحد من العلماء إلَّا ويعترف بفضله ووفور علمه وحدة ذهنه؛ قال القاضي جلال الدين في ترجمته: "كان يلقي "الحاوى" في الأيام اليسيرة، وبلغ من أَمره في ذلك أَنه أَقرأَه في ثمانية أَيام بالجامع الأَزهر"، وكان معظما عند الأَكابر، عظيم السعة عند العوام، إذا ذُكِر البلقيني خضعت الرقاب حتى كان الشيخ جمال الدين الإسنويّ يتوقَّى الإفتاء مهابةً له لكثرة ما كان ينقب عليه في ذلك، وقد ولى قضاء الشام بعد صرف تاج الدين السبكي في سنة تسع وستِّين، وجرت له معه أمور مشهورة ولم يقم في ذلك إلَّا دون السنة وعاد إلى القاهرة متوفرا على الاشتغال والفتيا والتصنيف، وقد عُيّن مرارًا لقضاء الشافعية فلم يتفق ذلك إلا بعد دهر طويل لولده".

ولم يكمل من مصنفاته إلَّا القليل، لأَنه كان يشرع في الشيء، فلسعة علمه يطول عليه الأَمر حتى كتب من "شرح البخارى" على نحو من عشرين حديثًا مجلدين، وكتب على "الروضة" عدّة مجلدات تعقيبات، وعلق بعض طلبته من خطه من حواشي شيخه بالروضة خاصة مجلدين، وقد عمل له ولده جلال، الدين ترجمة جمع فيها أَسامى تصانيفه وأَشياءَ من اختياراته أجادها، [وقد] سمعتها كلها منه، وخرَّجْتُ أَنا له أَربعين حديثا عن أَربعين شيخا حدّث بها مرارًا، وقرأْت عليه "دلائل النبوة للبيهقى (١) فشهد لي بالحفظ في المجلس العام، وقرأت عليه دروسًا من "الروضة"، وأَذن لي بخطه، وكتب لي خطه على جزء من "تعليق التعليق" الذي وصلت فيه تعاليق البخارى.


(١) هو الإمام أَبو بكر أَحمد بن الحسين بن علي الخسروجردى المتوفى سنة ٤٥٨ هـ، الشافعي، صاحب السنن الكبرى والصغرى ودلائل النبوة، وكان يقال عنه: ما من شافعى إلا عليه منة إلا البيهقي فإن له على الشافعي منة لتصانيفه في نصرة مذهبه". انظر شذرات الذهب ٣/ ٣٠٤ - ٣٠٥.