للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَن كان يبالغ في تسميعهم ويجتهد في التحصيل لهم، وكان يتعانى نظم الشعر فيأتى بما يُضْحِك؛ إلَّا أَنه ربما وقع له ديوانٌ غير شهير فيأْخذ منه ما يمدح به الأَعيان خصوصًا القضاة إذا وُلُّوا ويستعين بمن يُغيّر له بعض الأَسماء، وربما عُثِر على القصيدة في ديوان صاحبها؛ وأَعجب ما وقع له أَنه أَنشد لنفسه عند ما ولى ناصر الدين بن الميلق القضاءَ:

إنَّ ابنَ مِيلقَ شَيْخٌ رَب زاويةٍ … بالناس غرّ وبالأَحوال غير درى (١)

قد ساقَه قدَرٌ نحوَ القضاء ومَنْ … يسطيع ردّ قضاءٍ جاءَ عنْ قدرِ؟

فوُجد البيتان بعينهما للقاضى بدر الدين بن جماعة، وقد غيّر منهما بعض الشطر الأَول من البيت الأَول فقط وهو "فالعَبْدُ وهو فقيرٌ رَبُّ زاوية" إلى آخرها.

ومات في شوال بعد أَن جرت له محنة مع القاضي جلال الدين [البلقينى] لكونه مَدَحَ القاضي الذي عُزِل به فضربه أَتباعه وأَهانوه فرجع متمرّضًا فمات وتفرّقت كتبه وأَجزاؤه شذر مذر.

٤١ - محمد بن عبد الرحمن بن فُرَيج (٢) المصرى، القاضي ناصر الدين بن الصالحي، من الصالحية التي بظاهر القاهرة، وُلد سنة بضعٍ وخمسين وسَمع على ماذَكر من الشيخ جمال الدين بن نباتة وغيره، وتعالى الأَدب، ونظم الشعر الوسط، وكتب الخطِّ الحسن، ووقَّع عن القضاة، ثم ناب في الحكم عن الحنفية ثم عن الشافعية، ثم وثب على منصب القضاء لما غاب المنادى فتمّ له ذلك عشرة أَشهر ثم عُزل، ثم أُعيد بعناية السالمي في شوال فاستمرّ فيه أَربعة أَشهر، ومات بعلة القولنج الصفراوي وأَسف أَكثر الناس عليه لحسن تودّده وكرم نفسه وطيب عشرته ومشاركته في العلم، ولأَنهم أَلفوا


(١) في الأصل، ز، هـ "غر من الناس بالأحوال غير درى" وما أثبتناه من الضوء اللامع ٩/ ١٦٦.
(٢) الضبط والتنقيط من ز، راجع السخاوى: ذيل رفع الإصر ص ٣٤٣ - ٣٤٤، هذا وقد أشار العيني: عقد الجمان ٣/ ٢٠٦ إلى أن صهره كان أمير المؤمنين.